الواقع الذي نجده اليوم هو أن الأمة الإسلامية تواجه تحديات كبيرة في عصر بلغ فيه الإستقطاب الدولي ذروته العليا ، ونتيجة ً لهذا الإستقطاب ولنزعة الإستعمار الجديد إلى السيطرة المطلقة على موارد الطاقة بوجه خاص ، وعلى القرار السياسي المستقل لدول العالم العربي والإسلامي بغية إبقاء هذه الشعوب تابعة للغرب أو الشرق… نتيجة لهذا فقد غدت الأمة الإسلامية في جميع أوطانها محاصرة بجملة من المشاكل التي تتناول سلامة كل دولة وكل شعب واستقرارهما وقدرتهما على النمو في عالم سريع النمو والتغير وقائم على المنافسة .
إن بعض هذه المشاكل ناشئ من أسباب طبيعية تتعلق بطبيعة التحولات الإجتماعية ومشكلات النمو ، ويمكن التغلب عليها بالعمل الواعي والخطط الهادفة.
وثمة مشكلات أخرى وهي مشكلات مفتعلة سببها الإستعمار الجديد ( الأمريكي الصهيوني ) وذلك للحيلولة بين الأمة الإسلامة وبين النهوض من كبوتها من آثار الإستعمار القديم الذي أنهك قواها طوال قرون من الزمان وأخذ دورها في القرار السياسي الدولي ، كما سلبها دورها في بناء الحضارة الإنسانية على أسس أخلاقية .
والذي نلاحظه هنا هو أن كل شعب من الشعوب الإسلامية أسير لمشاكله الخاصة به ، فهو يحاول أن يحلها بنفسه فلا يقدر على ذلك ، فيلجأ إلى هذه الدولة أو تلك من الدول الكبرى وتكون النتيجة تحكّم تلك الدولة الكبرى باقتصاده وقراره السياسي واستقلاله وسيادته وهكذا تغدو الأمة الإسلامية كلها أسيرة مشاكلها الخاصة .
وتراني أزعم في هذا السياق أن ما يحدث حاليا في بلاد العرب من فتن دموية ومشاريع تقسيمية وخطط إلهاء ونهب ثروات تم تسميتها زوراً بالربيع العربي ، لا يبعد عن مخطط إلهاء كل شعب بمشاكله الخاصة بغاية تمرير المشاريع الإستعمارية الكبرى التي تصب في النهاية في مصالح أعداء الأمة العربية والإسلامية .
وقد نشأ هذا الواقع الأليم عندما فقدت الأمة الإسلامية وحدتها الداخلية ، لقد فقدت أولاً وحدتها السياسية بسقوط الخلافة العثمانية وانقسام الشعوب الإسلامية إلى دول متعددة ، ثم فقدت وحدتها الثقافية الجامعة حينما حاول كل شعب إسلامي أن يبحث عن شخصية تاريخية خاصة به خارج إطار الإسلام ، وهكذا حدثت ردة إلى جاهلية ما قبل الإسلام لدى كل شعب من الشعوب الإسلامية ، بل نجد ذلك داخل الشعب الوحد كما نلاحظ في الشعب العربي الذي غدت كل دولة منه تبحث عن شخصيتها الخاصة خارج الإسلام وخارج العروبة ، ثم فقدت وحدتها العاطفية والكيانية حينما ترسخ مبدأ القومية وأخيرا مبدأ الطائفية والمذهبية الذي مزق الأمة الإسلامية شر ممزق .
لقد أدى هذا الواقع إلى أن كل شعب إسلامي أخذ يبحث عن مصالحه الخاصة خارج إطار الأمة الإسلامية وأخذ يعالج مشاكله وكأنها مشاكله الخاصة ، وبقية الشعوب الإسلامية تنظر إليه ولكن لا يعنيها أمره ، وهو الأمر الذي يدفع بالقوى العظمى إلى أن تستفرد به وتفرض عليه ما تشاء من شروط وتنهب ما تريد من خيرات . 
إن النظرة الى مشكلات الشعوب الإسلامية على أنها مشكلات منفصلة عن بعضها هي نظرة خاطئة ،وهي نظرة يريدها الإستعمار الجديد ويسعى لتعميمها ليتسنى له عزل الشعوب الإسلامية والعربية عن بعضها البعض ، والحقيقة هي أن مشكلة أي شعب إسلامي هي مشكلة الأمة الإسلامية كلها، وإن دراسة موضوعية واعية لأي مشكلة يعاني منها أي شعب إسلامي ستكشف عن علاقتها بمشكلات أخرى تعاني منها شعوب إسلامية أخرى . 
وهنا ندرك أن المشكلة الأساسية تكمن في قضية الوحدة الإسلامية ، وأن الشعوب الإسلامية لا تتصرف تجاه قضاياها ومشاكلها من منطلق أنها أمة واحدة ، وإنما من منطلق أنها أمم منفصلة عن بعضها لا تجمعها وحدة المصالح والمصير . 
إن الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الوحدة ، وتترجم نفسها في مواقف حيوية ، هو الإلتزام السياسي الواحد تجاه قضايا المسلمين ومشاكلهم، وهذه القضايا والمشاكل تلف العالم الإسلامي كله ، ولا تكاد دولة إسلامية أو عربية تسلم من مشكلات تهدد كرامتها أو حريتها أو أمنها أو إستقلالها أو مستقبلها . والخروج من هذا الواقع الأليم لا يكون إلا بتوحيد الإلتزام الإسلامي الشامل من قوى الإستعمار والهيمنة ، ومن الواضح أن هذا الإلتزام السياسي التوحيدي مشروط بالتحرر من المحاور الدولية التي تنشئها اليوم أمريكا وتتسبب في الإستقطاب الدولي .
( مقتطف من كتاب " سطور من واقعنا المرير " للشيخ عباس شحادي )