من المعيب حقاً، أن يترحم المرء في هذه الأيام على الأنظمة الملكية التي قامت في العالم العربي بعد انهيار السلطنة العثمانية،غداة الحرب العالمية الأولى، فقد قامت الأنظمة الملكية في المغرب وليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسوريا والجزيرة العربية.وظلت إمارات الخليج العربي تحت الوصاية البريطانية حتى الستينات من القرن الماضي.
وأسفرت نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ عن انهيار هذه الأنظمة في البلاد التي ذكرناها، ما عدا السعودية والأردن والمغرب، وحلّت محلها أنظمة جمهورية يتربع على عرشها قيادات عسكرية،وصلت بالانقلابات العسكرية، ومهدت سلطتها بالأجهزة الأمنية والمخابراتية وقمع الحريات. وأقامت دولة الحزب الواحد، وتصدت لمهام حركة التحرر العربية، فأصابت بعض النجاح في البداية، إلاّ أنّها استقرت على استبداد مديد، يمنع تداول السلطة، ويتعثّر في إقامة حكم مدني ديمقراطي، وتنمية مستدامة، تلبي حاجات الملايين من الشبيبة التواقة للعمل والحياة الكريمة، فإذا بالجمهوريات، لا هي جمهوريات تخضع لإرادة الشعب، ولا ملكيات دستورية تخضع لسلطة الملك وحكومته، فكان الوضع في المملكة الأردنية، أو المملكة السعودية،أرحم بكثير من وضع الشعوب في العراق وسوريا واليمن مثلا، والوضع الملكي في المغرب أفضل بكثير من وضع جماهيرية معمر القذافي، والتي لم يتمكن عُتاة العلم السياسي من معرفة طبيعتها حتى الآن.
كانت الجماهير العربية تأمل خيرا من الجمهوريات الناشئة، وتُعلّل النفس بأن يأتي يوم تسود أنظمة الحرية والديمقراطية والتنمية في العالم العربي من المشرق حتى اقاصي المغرب، أنظمة تحفظ حقوق المواطنين وكرامتهم، ومستقبل أبنائهم، فإذ بهم يشهدون اليوم كابوساً مرعباً، مئات آلاف القتلى ،ملايين المهجرين، عشرات ألوف المعتقلين، وخراب عمراني لم يسبق له مثيل، وكل ذلك تحت أنظار العالم،الذي يبدو حائراً حينا، ومتآمرا حينا آخر. وما يبدو أنّه متماسك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هي الأنظمة الملكية في الأردن والسعودية وشبيهاتها في الخليج العربي، والمملكة في المغرب العربي، ولا ننسى سلطنة عُمان، البلد العربي المستقر والمتصالح مع محيطه، مع أنّ حكامه ينتمون عقيديا لفرقة الخوارج، التي طالما وُصمت في التاريخ الإسلامي بالتكفير والتطرف، فإذ بهم دعاة محبة ووفاق، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسعون في إصلاح ذات البين.
نعم، من المعيب حقاً الترحم على الملكيات، والمطالبة بعودتها، ذلك أنّه لم يعد هنالك ملوكاً صالحين لتولّي الأمور، وربما من الأسهل أن يتربع على عرش سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن والسودان حُكامٌ طغاةٌ مستبدون، بعد أن عشّش الاستبداد والطغيان في هذه البلاد وفرّخ لأكثر من نصف قرن، فأطعمهم من لحم شعوبهم، وسقاهم من عرقها ومعاناتها، فبات الطغاة أشدّ شكيمة وأصلب عوداً، يملأون الرحب ويستعدون لملأ الفراغ الذي خلّفه صدام والأسد والقذافي ومبارك وزين العابدين وعلي عبدالله صالح، سيأتون عاجلا أم آجلا، ذلك أنّه لا فسحة أمل في الأفق، والتشاؤم سيد الموقف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.