قلة من اللبنانيين هم الذين يدركون مخاطر الخطوة الي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية بوقف الإعانة التي كانت مخصصة لدعم الجيش اللبناني والمعدات المطلوبة لقوى الأمن الداخلي والتي تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار.
وقلة قليلة من هؤلاء القلة يعرفون الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الخطوة السعودية. فالموقف الذي اتخذه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر جامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الإسلامية والذي غرد من خلاله خارج السرب العربي بامتناعه عن إدانة الإعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد لم يكن السبب الحقيقي وراء الخطوة السعودية.
وإنما كان القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات بين لبنان والسعودية. ولمعرفة الأسباب الحقيقية التي كانت وراء الخطوة السعودية لا بد من العودة إلى إتفاقية الطائف في العام 1989 والتي أنهت الحرب اللبنانية حيث تقرر في أحد بنودها نزع سلاح الميليشيات اللبنانية. وعلى هامش هذه الاتفاقية تم إستثناء حزب الله من هذا القرار باعتبار أن الجنوب اللبناني كان يرزح تحت الإحتلال الإسرائيلي.
وبالتالي فهناك حاجة مشروعة للمقاومة. وهذا يعني ان السعودية هي مع حق لبنان بالمقاومة حتى تحرير أرضه. وكذلك فإن المملكة وفرت مع سوريا غطاءا عربيا كبيرا لتسليح حزب الله مع معرفتها بعلاقاته مع إيران وأن هذه الأخيرة هي مصدر تسليحه. لكن تبين في ما بعد والذي تم اكتشافه بشكل تدريجي ان حزب الله ليس حركة مقاومة لتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة فقط. وإنما دوره يتجاوز حدود لبنان.
وقد امتدت نشاطاته إلى سوريا والعراق والبحرين واليمن والكويت وغيرها حيث اكتشفت السعودية ان حزب الله الذي وفرت له الغطاء السياسي لتسليحه يشكل خطرا عليها. بل يتآمر عليها من حدودها الشرقية في البحرين وحدودها الشمالية في العراق وحدودها الجنوبية في اليمن. فحزب ألله وكما أرادت له إيران لم يعمل على تحرير ألجنوب اللبناني من أجل لبنان.
وإنما ليكون منطلقا لأثمان يتجاوز الحدود اللبنانية ويدخل في إطار الإستراتيجية الإيرانية وعلى أن يكون ورقة قوية في حساباتها. فالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يؤكد مرارا وتكرارا أنه يعمل تحت راية ولاية الفقيه وليس تحت راية لبنانية وأنه فخور بذلك. وعمليا فإن سلاح حزب الله منذ حرب تموز عام 2006 لم يعد موجها ضد إسرائيل وإنما ضد اللبنانيين. وانخرط في الحروب السورية والعراقية في سياق المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة.
فحزب ألله وتحت شعار المقاومة دخل في لعبة الاصطفاف الطائفي. ومن هنا فأن السعودية لا تريد للبنان أن ينتهي به الأمر إلى ما انتهى إليه الوضع العراقي من هيمنة الميليشيات المذهبية على الدولة ومن ثم هيمنة إيرانية من خلال تلك الميليشيات. وبالعودة إلى بيان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي أكد فيه على إعتماد سياسة النأي بالنفس وعلى أنه بين الإجماع العربي والوحدة الوطنية ننحاز إلى الوحدة الوطنية .
هذا الكلام سليم فيما لو كان هناك وحدة وطنية بالفعل. فحزب ألله صحيح أنه لبناني الجنسية ولكنه إيراني الولاء. وبالتالي فإن باسيل لم يصدر عنه اي موقف واضح من انخراط حزب الله في الحرب السورية. ولا من خطابات السيد حسن نصرالله والتي يستهدف من خلالها المملكة العربية السعودية والدول الخليجية بالاتهامات والسباب والشتائم.
وفي هذا المعنى يمكن فهم الموقف السعودي تجاه لبنان. والأسباب التى كانت وراء الخطوة السعودية.