يشهد لبنان هذه الأيام هجمة سعودية وخليجية تحت عناوين مختلفة وذلك عبر إلغاء الدعم المقرر للجيش اللبناني والقوى الأمنية وصدور قرارات بمنع الرعايا السعوديين والخليجيين من زيارة لبنان ودعوتهم للمغادرة بسرعة، ونشر أخبار عن وقف الرحلات الجوية للبنان والتهديد بطرد مئات الألوف من اللبنانيين العاملين في دول الخليج.
وهذه الحملة تأتي في إطار الرد على مواقف لبنان في بعض الاجتماعات العربية والدولية والتي لم تتضامن مع السعودية خلال مواجهتها للإعتداءات الإيرانية ضد سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد قبل حوالي الشهرين، وكذلك استنكارا لمواقف حزب الله التصعيدية ضد السعودية حسبما يعلن المسؤولون السعوديون.
ورغم ان مجلس الوزراء اللبناني عقد اجتماعا خاصا لبحث الموضوع وأصدر بيانا أكد فيه على الالتزام بالإجماع العربي في القضايا المشتركة، ورغم حملة التضامن مع السعودية التي أعلنتها قوى 14 آذار وتيار المستقبل وتوقيع العرائض المناشدة للملك سلمان لإبقاء الدعم للبنان، ورغم الوفود السياسية والدينية والشعبية الكثيفة للسفارة السعودية تضامنا مع المملكة والمستنكرة لمواقف حزب الله، فإن تصعيد المواقف السعودية والخليجية ضد لبنان مستمر وهناك تخوف من زيادة التصعيد بما يهدد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان.
فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا التصعيد؟ وإلى أين تتجه الأمور في المرحلة المقبلة؟
رغم إعلان السعودية ان السبب الأساسي وراء الحملة هو مواقف لبنان السياسية غير المتضامنة معها، ومواقف حزب الله ضد السعودية، فإن مصادر مطلعة في بيروت تؤكد ان السبب الرئيسي لما يجري أعمق من ذلك بكثير، وهو مرتبط بالتحولات الكبرى التي تجري في سوريا وعلى الصعد الإقليمية والدولية في ظل الانتكاسات التي تشهدها السعودية وحلفاؤها ميدانيا وسياسيا، وفي المقابل تقدم المحور المواجه للسعودية والذي يضم روسيا وإيران وحزب الله وسوريا وحلفاؤهم، وكذلك الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وما سيؤدي إليه من تعزيز للدور الإيراني ودور حزب الله في المنطقة، إضافة لتراجع العلاقات الأمريكية ـ الغربية مع السعودية في ظل تراجع أسعار النفط وتراجع دور السعودية الإقليمي والدولي.
وفي مواجهة كل هذه التطورات يبدو ان القيادة السعودية تريد قلب الطاولة على إيران وحزب الله وحتى في مواجهة القوى الغربية وذلك عبر محاصرة لبنان واستهدافه في ظل الحرص الإقليمي والدولي على حماية الأوضاع اللبنانية ومنع تدهورها كما جرى خلال السنوات الماضية رغم تفاقم الأوضاع في المنطقة ولا سيما في سوريا.
فهل ستنجح السعودية في خطتها؟ وهل سيؤدي ذلك لإعادة تعزيز دورها واستعادتها مواقعها التي تخسرها في المنطقة وفي لبنان؟ أم ان استهداف لبنان ستكون له انعكاسات خطيرة على مصالح السعودية ودول الخليج وحلفائهم في لبنان والمنطقة وبالتالي سيعطي إيران وروسيا وحلفاءهم المزيد من التقدم في لبنان والمنطقة؟
المصادر المطلعة في بيروت تؤكد ان ما تقوم به السعودية ودول الخليج خطير جدا وقد تكون له تداعيات سلبية على الأوضاع في لبنان والمنطقة، لكن النتائج السلبية لما يجري لن تنعكس على حزب الله وإيران وحلفائهما، بل ستطال الجميع وقد يكون أول المتضررين حلفاء السعودية في لبنان والمنطقة. فحزب الله وإيران لن يتراجعا عن مواقفهما وأدوارهما في المنطقة، والتطورات في سوريا والمنطقة ليست لصالح السعودية وحلفائها ولا سيما بعد إعلان أمريكا وروسيا وقف اطلاق النار في سوريا، وبالتالي ان استمرار السعودية في التصعيد سيصل إلى الحائط المسدود وستضطر إلى مراجعة حساباتها. وتوضح المصادر: ان لبنان سبق ان تعرض إلى هجمات أقسى من قبل العدو الإسرائيلي ولا سيما في حرب تموز/يوليو 2006 وقد تم تدمير البنى التحتية وتهجير مئات الألوف واستشهد وجرح الآلاف ومع ذلك صمد اللبنانيون ونجحوا في فرض وقف إطلاق النار وتعرض الجيش الصهيوني المدعوم أمريكيا ومن قوى محلية وإقليمية ودولية إلى هزيمة كبرى.
وعلى ضوء هذه المعطيات فإن الاحتمالات مفتوحة وكل الخيارات متوقعة والمعركة قاسية ولكنها لن تؤدي إلى أي نتيجة سوى نشر المزيد من الخراب في لبنان والمنطقة إلا إذا تدخلت الدول الكبرى ولا سيما أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية والإسلامية وفرضت على السعودية ودول الخليج التراجع عن هذه الحملة المسعورة وإعادة النظر في سياساتها في لبنان والمنطقة كما جرى في سوريا مؤخرا.
القدس العربي