من أوضح البديهيات العقلية , وجوب إطاعة العبد لسيده , أو الموكَّل لموكله , ولا يجوز مخالفة الوكيل لمضمون الوكالة التي وُكّل بها باي صورة من الصور , وإلا عليه أن يتخلى عن التوكيل , وبعدها يفعل ما يشاء , هذا من بديهيات العقل فضلا عن القانون الذي يحمّل الوكيل مسؤولية المخالفة لمضمون للوكالة .
لم تُدرك المملكة إلى الآن أن حزب الله هو فريق من الشيعة يؤمنون بوجوب إتباع الولي الفقيه بكل شيء , وبالتالي هم لن يتخلوا عن إعتقادهم وسوف ينفذون كلّ سياسة الولي , الدينية والسياسية والاجتماعية ....وليس كل الشيعة يعتقدون بهذا الاعتقاد , لأن الطائفة الشيعية لا تُلزم أتباعها بولي الفقيه كلها , وثمة هامش من الحرية للمكلف بأن يُقلد الفقيه الذي لا يقول بولاية الفقيه العامة التي تشمل الامور السياسية , وهذا بديهي لمن أطلع على آليات إرتباط الطائفة بمراجعها , وكيفية تعامل الفقيه ببعض الامور السياسية , فالمملكة إعتبرت كلّ شيعي في العالم هو تابع للولي الفقيه , وتعاملت مع الشيعة اللبنانيين على هذا الاساس و حمّلتهم مسؤولية الصراع بينها وبين الجمهورية , ومسؤولية السياسة الايرانية في المنطقة , وهنا يكمن الخطأ السعودي , وهكذا تعامل تيار المستقبل في لبنان مع كلّ الشيعة في الواقع , وما كان منه من علاقات حسنة مع البعض فهو مسايرة لا أكثر ولا أقل .
بينما أدركت إيران بأن تيار المستقبل هو تيار في الطائفة السنية وليس كل السنة , هنا يكمن الفرق الجوهري بين سياسة الجمهورية وبين سياسة المملكة , حيث أن المملكة تعاملت مع الطائفة الشيعية بكل مكوناتها على اساس أنها تابعة لإيران ولم تستثن أحدا من هذا الحكم في طريقة تعاملها وبخلفية النظرة , فهذا الحكم منعها من التوازن , وهذا هو سبب التوتر والاستعجال بمعاقبة دولة بكاملها من ضمنها حزب الله , من هنا يجب على المملكة مراجعة مواقفها وأحكامها وتحميل المسؤولية لتيار المستقبل وحلفائها في لبنان الذين أخفقوا في السياسة بسبب طموحاتهم الشخصية ,
في المقابل نرى الجمهورية الايرانية , إستطاعت أن تفرّق بين مكونات الطائفة السنية على اساس عدة معايير , منها معيار التأييد لسياستها , ومعيار الانتماء إلى القضية الفلسطينية , ومعيار طالبي السلطة من الطائفة السنية , ومن ثم تعاملت مع كل مكوّن على حدا وحسب رغباته , فنجحت في إستقطاب شريحة لا يستهان بها من الطائفة السنية وبالتالي طوّقت تيار المستقبل الساعي إلى السلطة بدون أي مشروع سياسي واضح , وينبغي أن لا ننسى الإنقلاب الذي قاده رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على تيار المستقبل , والذي ساعد على إنفراط تيار المستقبل وحلفائه , وبالتالي تشظي قوى 14 آذار , وما زال يتقهقر إلى الآن لأنه غير مستعد لمراجعة نقدية لسياسته مع مكوناته ومع حلفاءه ومع أصدقائه ومع محيطه .