الوجود السوري. الوصاية السورية. الإحتلال السوري. تسميات متعددة لمعنى واحد وهو مصادرة القرار السياسي اللبناني بالقوة العسكرية وتحويل لبنان إلى ورقة في خدمة الإستراتيجية السورية. وهذا الإحتلال استمر لثلاثين عاما.
عاش خلاله اللبنانيون تحت سطوة المندوب السامي السوري الذي حكم البلد بالحديد والنار وعاث فيه فسادا وافسادا على كافة المستويات وخصوصا في الجانب الأخلاقي.
واستمر الوضع على هذا المنوال والمقدار من السوء حتى العام 2005 وتحديدا حتى إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. حيث اضطر السوري إلى الخروج من لبنان تحت أعباء الاتهامات التي تم توجيهها إليه بإنه كان هو وحليفه حزب الله وراء عملية الاغتيال المشؤومة. وبعد الانسحاب السوري شعر معه اللبنانيون للحظة أنهم تحرروا من قيود الاحتلال وأنهم دخلوا مرحلة يغلب عليها طابع الإستقلال والحرية والسيادة فاحتفلوا بهذه المناسبة كل على طريقته.
إلا ان فرحتهم لم تطل كثيرا إذ سرعان ما زالت نشوة الشعور بالاستقلال ليرتسم أمامهم الواقع الأليم وهو انتقالهم من زمن الوصاية السورية إلى وصاية أشد فتكا بدولتهم وبمؤسساتهم وأكثر إيلاما بحريتهم وامنهم واستقرارهم وهي الوصاية الإيرانية التي تعهد حزب الله بتنفيذها ورعايتها وفرض قيودها على الوطن والمواطن وبأدق التفاصيل.
فأطلق العنان للاجتهادات الشرعية والقانونية مدعومة بمنظومة عسكرية هائلة للأطباق على البلد بتعطيل المؤسسات فيه ومصادرة قراري الحرب والسلم فيه والتحكم بسياساته الداخلية والخارجية وربط البلد بالمشروع الإيراني الإقليمي وتحويله إلى ورقة في خدمة الإستراتيجية الإيرانية القائمة على التوسع خارج حدود الدولة.
واستمر حزب الله بممارسة دوره بأخضاع الدولة اللبنانية للوصاية الإيرانية بحجة محاربة إسرائيل وتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة وصولا إلى تحرير القدس.
إلا أن هذا الوعد الاسطوري لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع فيما اصبح لبنان محتلا بشكل كامل من قبل إيران وتحولت المناطق الخاضعة لحزب الله والتي تشكل حاضنة له إلى مربعات أمنية تابعة لإيران وخارجة على الشرعية اللبنانية بحيث لا تستطيع إدارتها او ملاحقة المطلوبين فيها والخارجين على القانون.
فيما يقع اللوم على الدولة اللبنانية في حال تعرضت تلك المناطق لأي خلل أمني كما حدث إبان التفجيرات التي ضربت ضاحية بيروت الجنوبية. وعليه يمكن الجزم بأن لبنان تحول الى دولة خاضعة للسياسة الإيرانية. وهذه الحقيقة كانت تؤرق العديد من الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي وخصوصا بعد ما تم تعطيل قراره السياسي وباتت حكومته عاجزة عن تشكيل لجنة لحل مشكلة النفايات التي ملأت شوارع العاصمة والمدن اللبنانية. ناهيك عن إصدار بيان يدين الهجوم البربري الذي استهدف السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد، ورغم العديد من المحاولات التي بذلتها بعض القوى السياسية اللبنانية وفي مقدمتها تيار المستقبل لإعادة حزب الله إلى المضارب اللبنانية.
إلا أن إرادة الإنتماء إلى مؤسسة ولاية الفقيه كانت أقوى من أي انتماء او ولاء وطني. فانقاد حزب الله إلى المشروع الإيراني واقحم لبنان في فوهة النار السورية من خلال مشاركته في الحرب إلى جانب النظام. من هنا كانت الخطوة السعودية بإلغاء المنحة التي كانت مخصصة لدعم الجيش اللبناني كرسالة لا تستهدف لبنان وشعبه بل تستهدف حزب الله لمحاصرته، والتي قد لا تتورع ميليشياته التي تتصرف كعصابات خارجة على القانون عن الاستيلاء على إي أسلحة وتجهيزات قد يتم تسليمها للجيش اللبناني.
ولا بد للقوى السياسية الفاعلة على الساحة الداخلية اللبنانية من استجماع قوتها والوقوف بوجه حزب الله قبل ان يتحول البلد إلى ولاية خاضعة بالكامل للامبراطورية الفارسية.