قصَدوا «كازينو لبنان» ليس لأنّ أموالهم «فايضة»، أو لاعتبار حظّهم «بيِفلق الصخر»، بل لأنّهم «دقّوا دقّوا وإيديهم تجرَّحوا»، وفي وجدانهم ألم عمرُه أكثر من سَنة و6 أشهر و26 يوماً، يَغفو ويصحو معهم. «شبِعنا حكي» تَصرخ والدة الجندي المخطوف خالد مقبل حسن، محاوِلةً حبسَ دموعها. حالُها كحال عائلات العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، وهُم: عبد الرحيم دياب، حسين عمار، محمد يوسف، مصطفى وهبي، ابراهيم مغيط، علي المصري، سيف ذبيان، وعلي الحج حسن.«إشتقنالك ناطرينك». كلمتان تختصران الحال النفسية المزرية التي بَلغها أهالي العسكريين المخطوفين، والتي عبّروا عنها بيافطات رفعوها في وقفتِهم الاحتجاجية الأولى لهم هذا العام.

فأمس، وبعد سلسلة زيارات للمراجع الرسمية والقيادات السياسية، اعتصَم الأهالي عند المدخل الرئيس للطريق المؤدي إلى داخل كازينو لبنان لجهة الأوتوستراد، حيث أقامت قوى الأمن الداخلي حاجزاً معزَّزاً بالدروع لمنعِ المتظاهرين من إكمال طريقهم في اتّجاه داخل حرَم الكازينو.

لإجتماع خليّة الأزمة

عبَّر كلّ مِن الأهالي تباعاً عن رأيه، مؤكّدين أن ليس لديهم النيّة «في قطع الأوتوستراد»، ولا نيّة «بإزعاج الناس والقيام بأعمال شغَب وتخريب، بل هدفُهم إيصال الصوت إلى المسؤولين وحضُّهم على التحرّك مجدّداً باتّجاه إيجاد حلّ لقضية أبنائهم».

فدَعوا خليّة الأزمة إلى «الاجتماع والتحرّك الفوري وصولاً إلى نتيجة مُرضية»، مشدّدين على «إعطاء الصلاحيات الكاملة للّواء عباس ابراهيم، لثِقتهم به»، وحذّروا المسؤولين بالقول: «لا تحوّلونا وحوشاً لأنّنا نريد حلّاً لقضية أبنائنا».

وتحدّثت غنوى زوجة العسكري المخطوف محمد يوسف التي أصرّت على اصطحاب وحيدها حسين معها: «عسى وجوده يلقى تأثيراً لدى المسؤولين»، مؤكّدةً أنّها «منذ سنة وشهرين لم تتلقَّ أيَّ معلومة عن حال العسكريين».

القلب موجوع…

مِن جهته، أكّد والد الجندي المخطوف محمد يوسف أنّ اعتصامهم «هو ردٌّ على الإهمال الرسمي، بعدما تعبَ الأهالي من سماع عبارة «لا نعرف شيئاً عن أبنائكم»». وأوضح لـ«الجمهورية» «أنّ التصعيد محتمل أمام أيّ مكان مؤثّر يأتي لهم بنتيجة، والوقفة أمام الكازينو بمثابة صرخة تحذيرية للتعاطي الجدّي ورفضاً لأيّ إهمال أو تَراخٍ، خصوصاً أنّ العسكريين كانوا يحمون ضميرَ وشرف جميع اللبنانيين».

وأكّد أنّ «تعليق التصعيد لا يعني أنّ القضية ماتت إنّما إعطاء فسحة للمعنيين وللدولة للعمل على نحو هادئ، وإيماناً منّا بأن ينعكس إطلاق العسكريين الـ 16 إيجاباً على البقيّة المخطوفين. لكن للأسف، بعد طول انتظار، لم نلمس التحرّكَ الرسمي الكافي».

وعن وجود قنوات خاصة بهم لمتابعة الملفّ عبر وسطاء، حرصَ يوسف على التمسّك بالتكتّم: «نَسمع بشغلٍ ومساعٍ، ولكن من دون نتيجة، وفي نهاية المطاف كم علينا أن نصبر؟».

لكشفِ المعرقلين

أمّا نظام، شقيق الجندي المخطوف إبراهيم مغيط، فحملَ بشدّة على الحكومة واتّهَمها «بالعجز والكسَل والتقصير». وقال: «ندرك تماماً أنّ اللواء عباس ابراهيم لديه الصلاحية من أجل التحرّك وتحقيق أمر إيجابي في هذا الملف». واتّهم «زواريب السياسة بعرقلة الوصول إلى حلّ»، مطالِباً رئيس الحكومة تمّام سلام بإعلان «الجهة أو إسم المسؤول عن العرقلة».

ولم يَستبعد «تتابع الخطوات بشكل تصعيدي وغير سِلمي أمام أيّ مرفق سياحي أو في كلّ زمان ومكان، لأنّ صبر الأهالي نفِد، وهُم يعيشون وضعاً نفسياً صعباً في ظلّ الغموض الذي يلفّ قضية أبنائهم».

في هذا الإطار، أكّد مغيط لـ«الجمهورية»: «في ضوء تحرّك المسؤولين وردّة فعلِهم تجاه وقفتنا الاحتجاجية، سنبني على الشيء مقتضاه». وأضاف: «إذا استمرّ الإهمال على هذا النحو سنتحوّل وحوشاً. نَستغرب كيف أنّ مسؤولين بموقع المسؤولية يقولون لا نعرف عن أبنائكم شيئاً».

وتابع بنبرة غاضبة: «نحن من نَدفع ثمن هذا الوطن والصمود فيه والدفاع عنه، ومَن يجد نفسه مقصّراً فليلازم منزله. لذا فإنّ الخطوات المقبلة ستكون أكثرَ توسّعاً وألماً، عسى صوتنا يصل».

أمّا الشيخ عمر حيدر الذي يرافق الأهالي في مختلف تحرّكاتهم، فأوضَح: «جئنا نقول أين الملف؟ إلى متى المماطلة؟ الأمّهات مرضن، الآباء خسروا أنصاف أعمارهم، الأولاد يكبرون أيتاماً».

وأضاف: «جئنا إلى الكازينو نظراً إلى أنّه قبلةُ أنظار السياسيين، ويَحظى باهتمام غالبيتهم، لذا اعتبرناه من الوجهات التي يمكن أن تُقرّبنا من مطلبنا»، مشيراً إلى أنّ «الخطوات التصعيدية المرتقَبة انشالله مخيفة، سيتحوّل الأهالي وحوشاً». وأضاف: «لو بَدّا تشتّي غيّمت! لكن حتى الغيم لا نراه، فإلى متى نصبر؟

وكان قد انضمّ إلى المعتصمين عددٌ من موظّفي الكازينو، وأعلنَ النقيب جاك خوري بدوره تضامنَه مع أهالي العسكريين في هذا التحرّك وكلّ تحرّك يقومون به لأقصى الحدود»، قائلاً: «العسكريّون هم أهلنا وأبناؤنا وهم جيشنا. عندما خطِفوا كانوا في مهمّة لحمايتنا وحماية وطننا».