أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي اتفاقهما بصفتهما الرئيسين المشاركين في المجموعة الدولية حول سوريا، عزمهما «تقديم أقوى دعم لديهما لإنهاء النزاع السوري، وتهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة، يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة»، ووضعا في هذا السبيل أسسًا لما سيتم القيام به من خطوات، الأبرز فيها البدء بتطبيق وقف الأعمال العدائية اعتبارًا من منتصف ليل (أمس) الجمعة، طبقًا لموافقة الأطراف التي ستنخرط في هذا الجهد الذي لن يشمل بصورة مبدئية كلاً من «داعش» و«جبهة النصرة» وأي جماعات يصفها مجلس الأمن بالإرهاب. وتكفّل الطرفان بمراقبة الهدنة ووقف الأعمال العدائية بطريقة حيادية وشفافة وتحت تغطية إعلامية واسعة، وبالعمل معًا لتبادل المعلومات ذات الصلة، وإقامة مركز تنسيق لكل جانب، ووضع الإجراءات الضرورية لمنع تعرض الأطراف المشاركة في وقف الأعمال العدائية لهجمات من أي جانب، إضافة إلى تشكيل مجموعة عمل برئاسة روسية – أميركية تحت إشراف الأمم المتحدة، لوقف إطلاق النار، مهمتها متابعة مجريات تنفيذ الاتفاق وتطوراته الميدانية.
وكانت الانعكاسات المباشرة للاتفاق على طرفي الصراع الرئيسيين في سوريا متفاوتة، وهو أمر مفهوم لأسباب تتعلق بكل منهما من جهة، وعلاقة كل منهما بالطرفين الروسي والأميركي، من جهة أخرى؛ حيث أعلن النظام موافقته على الاتفاق نتيجة ما يربطه بحليفه الروسي الذي وإنْ كان طرفًا في الاتفاق، فإنه، في الواقع، طرف إلى جانب النظام في الصراع السوري، فيما ساد نقاش واختلافات صفوف المعارضة بحكم تعدد أطرافها، وعلاقاتها غير المستقرة مع الطرف الأميركي الذي يسود اعتقاد في أوساط المعارضة بأنه أقرب إلى التفاهم مع روسيا لأسباب متعددة.
ورغم أن الموقف العام للمعارضة السورية يؤكد الموافقة على الذهاب إلى حل سياسي للقضية السورية برعاية دولية، فإن الاختلافات في الموقف من الاتفاق تتبلور في اتجاهين؛ أولهما موقف متحفظ أقرب إلى الرفض، لأنه يرى الاتفاق خدمة للنظام وحلفائه، خصوصًا في ظل الحضور الروسي في الاتفاق فيما تقوم القوات الروسية بحرب مدمرة على مناطق المعارضة السورية. والثاني موقف مؤيد للاتفاق على أن يتم تطوير بعض محتوياته من النواحي السياسية والتنظيمية – الإجرائية، مما يجعله أكثر توازنًا وقدرة على تحقيق أهدافه، إذا كان أصحابه عازمين فعلاً على أن يحقق ذلك.
وسط هذين الموقفين للمعارضة، وقفت الهيئة العليا للمفاوضات، التي تضم الطيف الأوسع من المعارضة السياسية والمسلحة، ودققت في الاتفاق والمواقف المحيطة به، وفي توافقاتها جميعًا مع احتياجات السوريين للتغيير في إطار حل يوقف قتل السوريين وتدمير بلدهم، ويخلصهم من الإرهاب، فاستعادت في مذكرة وجهتها للمجموعة الدولية، الأسس التي أقرتها الشرعية الدولية للحل في سوريا الذي يحقق انتقالاً سياسيًا للسلطة، انطلاقًا من إنشاء هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية، ولا مكان لبشار الأسد وزمرته فيها، وذلك وفقًا لما نص عليه بيان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن، خصوصًا «2118»/ 2013، و«2254»/ 2015. كما ركزت على ملاحظات تحيط بها إشكالات سياسية وقانونية وإجرائية في الاتفاق الأميركي - الروسي، كان الأبرز فيها ازدواجية الدور الروسي بوجوده في رعاية الاتفاق من جهة، وأنه طرف إلى جانب النظام في الحرب على المعارضة، الأمر الذي يفرض إلزام روسيا بالدخول ضمن بنود الهدنة، والتعهد بوقف عملياتها العسكرية وشبه العسكرية على الأراضي السورية، وقريبًا من ذلك يفترض إلزام إيران وميليشياتها بوقف عملياتها العدائية بصفتها طرفًا أساسيًا في القتال لصالح النظام.
تعويم مفهوم الجماعات الإرهابية، جعله خاضعًا لتفسيرات روسيا، بما يعطي مشروعية لأي عمليات ضد المعارضة تحت اسم «محاربة الإرهاب»، إضافة إلى تفاوت ما نص عليه الاتفاق في النظر إلى طرفي الصراع باعتبار النظام طرفًا شرعيًا، وعملياته لها الصفة ذاتها، بخلاف النظرة إلى المعارضة المسلحة، التي تم تغييب حقها في الدفاع عن نفسها.
وتجاهل الاتفاق عدم تحديد المناطق الخاضعة للهدنة، قبل سريان الأخيرة للتأكد من التزام القوات الروسية والإيرانية وقوات النظام بشروط الهدنة، الأمر الذي يجعل أيديها مطلقة في شن الهجمات على مناطق وجود المعارضة، بما فيها التجمعات السكانية والمشافي والمدارس، من جانب هذه الأطراف.
كما تجاهل الاتفاق الإشارة لضرورة الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني في حماية المدنيين السوريين، خصوصًا اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الملحقين بها، وذلك في معرض الحرب على التنظيمات الإرهابية، وضرورة إعمال قاعدة التمييز بين المقاتلين والمدنيين، واعتبار استهداف المدنيين خرقًا لشروط الهدنة.
وتم تغييب أي تحديد للعواقب المترتبة على خرق النظام والميليشيات المتحالفة معه والقوات الروسية والإيرانية الالتزامات المنصوص عليها في الهدنة، بخلاف التحديدات المفروضة على أي خروقات تظهر في مناطق وجود المعارضة، ليتم استثناؤها من سريان الهدنة، مما يسمح للقوات الروسية أو لقوات النظام باستهدافها تحت ذريعة الخروقات.
لقد أبلغت المعارضة، ممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات، الأطراف كافة ملاحظاتها الكاملة، وسط تأكيدها الرغبة في انخراط جدي في حل سياسي، يمكن أن يكون اتفاق الهدنة مقدمة له، إذا ثبت حسن النية وجدية التنفيذ، خصوصًا أن السوريين شبعوا كلامًا تكرر طوال السنوات الخمس الماضية، وهم ينتظرون الأفعال؛ أقلّها من جانب الأطراف المصنفة في عداد أصدقاء الشعب السوري، أو تلك التي تبدي حرصها على «إنهاء النزاع السوري وتهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة، يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة» حسبما نص الاتفاق الروسي – الأميركي في مقدمته.