انتخب الايرانيون امس أعضاء مجلسَي خبراء القيادة والشورى الإسلامي. واذا كانت الانتخابات البرلمانية تحظى بأهمية سياسية وشعبية نظرًا الى كون مجلس الشورى يمثل المرآة العاكسة لأوزان القوى والتيارات السياسية والاتجاه العام في البلاد، خصوصا أنها تأتي بعد توقيع الاتفاق النووي، وكونها ترسم ملامح الانتخابات الرئاسية العام المقبل، فان انتخابات مجلس الخبراء التي لا تتمتع عادة سوى بأهمية هامشية في احسن الاحوال، فإن لها معنًى خاصًّا هذه المرة، كون هذا المجلس قد يضطلع في دورته الحالية بدور مهم في اختيار المرشد الاعلى المقبل للجمهورية الاسلامية.
وطوال العقود الثلاثة الماضية لم يؤدِّ مجلس الخبراء أيّ وظيفة ذي قيمة، لكن هذه المرة ، آيات الله الـ 88 الذين سيفوزون بعضوية المجلس سيشغلون مقاعدهم لمدة ثماني سنوات، ونظرا الى ان عمر المرشد الحالي تجاوز الـ 77 عامًا، وتكثر الشائعات عن اعتلال صحته، فعلى الارجح ان يواجه رجال الدين المنتخبون التحدّي المتمثل في تعيين خلف له. وهذا ما يضفي على هذه الانتخابات حماسة إضافية سواء من التيارات السياسية أو من المواطنين العاديين.
ويختص مجلس خبراء القيادة بمهمة اختيار المرشد الأعلى او عزله، وتطبيق أسس نظام ولاية الفقيه. ولا يتدخل المجلس بشكل كبير في الشأن السياسي. ويشترط على المرشح لعضوية هذا المجلس ان يحصل على موافقة مجلس صون الدستور، وان يكون عالم دين، حاصل على درجة الاجتهاد بعد دراسة دينية، أو أن يحظى العضو بتأييد عدد من علماء الدين، وأن يكون قادرًا على استنباط الأحكام الشرعية، وأن يكون سجله الاجتماعي والسياسي نظيفًا، الى إيمانه بمبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومن أبرز المرشحين لعضوية المجلس، الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني (68 عامًا) والذي ينتمي إلى التيار المعتدل. وعلى رغم ان اسمه لا يندرج في قائمة علماء الدين الكبار في إيران، إلا أن فرصة فوزه قد تكون أكبر من المتوقع، نظرًا إلى شعبيته التي نالها عقب توقيع الاتفاق النووي الذي أدّى الى رفع العقوبات عن ايران. وهناك ايضا الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني (82 عامًا)، الذي يشغل حاليا منصب رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام.
اما أبرز المرشحين من المحافظين، فهم الرئيس الحالي لمجلس خبراء القيادة محمد يزدي (82 عامًا)، ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني (54 عامًا) ، إلى أحمد جنتي (87 عامًا) رئيس مجلس صون الدستور المكلف اعتماد مرشحي الانتخابات وصاحب الحظ الاوفر في الفوز برئاسة مجلس الخبراء.
وعدا عن مهمة اختيار المرشد، تعتبر المعركة الانتخابية حول مجلس الخبراء الأكثر احتدامًا هذه المرة بين التيارَين الإصلاحي والمحافظ، حيث يسعى المحافظون إلى استخدام الأدوات الدستورية، لضمان استمرار هيمنتهم على المجلس التي استمرت لسنوات عدة، في حين يخوض الإصلاحيون معركة مستميتة لضمان غالبية أو على الأقل تمثيل جيد داخل المجلس، لا سيما أن نتيجة الانتخابات تشكل ضمانة للرئيس روحاني، إذا كان لديه تفويض بالمضي قدمًا في الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سبق أن وعد بها، إلى تأثيرها على فرص إعادة انتخابه عام 2017.
لكن وعلى رغم أن الجمهورية الإسلامية تشمل عملية قانونية واضحة لتعيين المرشد الأعلى، إلا أنه لا يتم أبداً اتباع تلك الخطوات. فقد كان الامام الخميني زعيماً ثورياً يتمتع بجاذبية، وتولّى منصبه بشكل طبيعي من دون أيّ قرار مؤسساتي. وبعد تعيين آية الله حسين علي منتظري رسمياً خلفا له، خاض الخميني نزاعاً مريراً معه، وألغى التعيين قبل شهرين فقط من موته عام 1989، وهو القرار الذي لا يحقّ سوى لمجلس خبراء القيادة اتخاذه وفقاً الدستور.
وعيّن آية الله خامنئي مرشدًا على أسس غير واضحة. ففي البداية عيّنه المجلس خلفاً في وقتٍ نصّ الدستور على ضرورة أن يكون المرشد الأعلى "مرجعاً"، أي آية الله العظمى الذي يتمتع بعدد كبير من الأتباع، ويعتبر "مثالاً يُقتدى به". ولم يكن خامنئي يتمتع بهذه الخصائص، وتاليا توجب على "المجلس" إعادة تعيينه بعد ثلاثة أشهر، أي بعد إلغاء شرط "المرجع" من الدستور وبعد الموافقة على الميثاق المعدل من مجلس رقابة وعبر استفتاء وطني.
ويتوقع الخبير في معهد واشنطن مهدي خلجي أن تكون عملية تعيين المرشد في المرة المقبلة أكثر تعقيداً، خصوصا أن الخريطة السياسية تغيرت تماماً منذ ذلك الحين. فيشير مثلا الى ان "الحرس الثوري" الواسع النفوذ، وعلى رغم محافظته على وحدته الظاهرية تحت عباءة خامنئي، إلا أن انتشاره الواسع قد ولّد في داخله فصائل مختلفة ذات مصالح متعارضة في بعض الأحيان. وفي حال غياب خامنئي، سيلجأ الحرس الى كل الوسائل الممكنة للتدخل في تعيين خلفه. وإذا حافظ الحرس، الذي يتمتع بقوة هائلة سياسيا وعسكريا واقتصاديًّا على وحدته بعد خامنئي، وعزّز قيادته الداخلية بسرعة، من المرجح أن يكون الانتقال إلى المرشد الأعلى الجديد سلساً. إلا أن اي أزمة او بروز صراع في داخله، فأن من شأنه تعريض استقرار النظام السياسي برمته للخطر.
وبصرف النظر عن الحرس الثوري، فإن بعض مراكز السلطة الأخرى ستكون قادرة على المشاركة في قرار الخلافة. إذ إن الشخصيات السياسية الكبرى، وتلك التي تصيغ العقائد والاستراتيجيات، والقادة البارزون في العقد الأول من الثورة قد هُمِّشوا منذ زمن. كما أنشأت العشرات من المؤسسات السياسية الجديدة في عهد خامنئي، كثير منها ذات وظائف متوازية، لذلك تم تقويض دورها العام، وقد قسّم المرشد الأعلى المجال الكبير إلى مجالات أصغر، لكي يتمكن من السيطرة بسهولة أكبر على مؤسسات معينة، والتسامح في الوقت نفسه مع احتمالات قيام معارضة من الآخرين. وتاليا، فإن أيًّا من الأفراد الأقوياء أو الدوائر القوية التي تسعى للتأثير على عملية الخلافة قد لا يتمتع بالحظ، لأنهم جميعاً يفتقرون إلى الوسائل غير الرسمية للتأثير على القرار بشدة من تلقاء أنفسهم كما تم استبعادهم من الوسائل الرسمية (أي مجلس قيادة الخبراء).
أما بالنسبة إلى الشخصية التي لديها حظ اكبر في الوصول الى منصب المرشد الأعلى، فمن الصعب الآن التكهن باسمها على رغم تداول أسماء شخصيات عدة بارزة، لكن "سعيد الحظ" سيكون بحسب خلجي، مدينًا لـ "الحرس الثوري " وجهاز الاستخبارات والسلطة القضائية، أكثر مما تدين هذه الأطراف به إليه. وبعبارة أخرى، فإن أبناء خامنئي المؤسساتيين سيشكلون الإخوة المؤسساتيين الأكبر للمرشد المقبل، فيحمونه وربما يسيطرون عليه أيضاً.