لم تتبدّد موجات القلق المتصاعدة من الاجراءات السعودية والخليجية في حق لبنان إلاّ على الصعيد النقدي في ظل مسارعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى الادلاء بتوضيحات وتطمينات إلى متانة الوضع النقدي ونفي الكثير من المغالطات التي تطوعت بها "تقارير" بدت أشبه بسكب الزيت على النار. كما ان مصادر أمنية رفيعة المستوى أكدت لـ"النهار" ان لا موجب ولا أساس اطلاقاً للمخاوف التي تسببت بها شائعات أو معطيات غير صحيحة تارة عن مطاردة سيارة مفخخة اتجهت نحو الضاحية الجنوبية وطوراً عن توزيع مناشير تحرض على الفتنة المذهبية وتبين انها لم توزع في الشارع بل تبودلت على نطاق محدود عبر اجهزة خليوية". وأشارت الى ان الاجراءات الامنية التي أتخذت في منطقة الضاحية الجنوبية تأتي في إطار إحترازي وقد وصفت بأنها ذات طابع دوري.
ومع ذلك فان هذا المناخ عكس أجواء متوترة لا يبدو انها مرشحة للانحسار في وقت قريب، خصوصاً ان المعالجات الجارية لأزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية لم تبرز بعد اي ملامح لانفراج من شأنه ان يضع حداً في البداية للاجراءات الاضافية المحتملة ومن ثم وضع الازمة ومسبباتها وتداعياتها على سكة الحل الجذري الثابت.
ولكن قبل تناول المعطيات الجديدة التي طرأت على هذه الأزمة في جانبها اللبناني – السعودي خصوصاً، ماذا عن التداعيات المحتملة للعاصفة على الاستحقاق الرئاسي في ظل الصمت والحذر اللذين يطبعان مواقف مختلف القوى السياسية منذ حجب ضجيج العاصفة وغبارها السباق الذي ملأ الفضاء الداخلي قبل هبوبها وتراجع الى الحدائق الخلفية بعدها؟
يبدو واضحاً ان تهيباً يسود الكواليس السياسية والنيابية في ظل وقائع جديدة لم يعد في الإمكان انكارها تركت انعكاساتها الثقيلة على السباق الجاري بين محوري المرشحين الاساسيين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. واذ برز التحرك الاخير الذي جمع قبل يومين بعيداً من الاضواء ممثلين للمحور الداعم مبدئيا لفرنجية في مكتب وزير المال علي حسن خليل مما شكل علامة عدم استسلام للجمود الذي فرضته العاصفة الخليجية، تشير المعطيات المتوافرة لدى "النهار" الى ان الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من هذه التحركات والمشاورات استعداداً للجلسة الانتخابية الـ 36 لمجلس النواب الاربعاء 2 آذار المقبل، وخصوصاً بعد عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم من زيارته لبروكسيل. واذا كان معظم المعنيين يقرون ضمناً وعلناً بان جلسة 2 آذار لن تفضي وسط الظروف الآخذة في التعقيد الى أي مفاجآت بمعنى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن ذلك لا يلغي اهمية الحركة السياسية التي ستسبق هذه المحطة وتعقبها لان من شأنها في أقل التقديرات ان تعيد رسم الخط البياني للملف الرئاسي وتبيان الكثير من آثار العاصفة الخليجية التي طاولت حتماً الملف الرئاسي والمرشحين المعلنين وغير المعلنين أيضاً بدليل ان الكثير من الهمس يسري حول تضاؤل بعض الفرص وتعزيز أخرى تبعاً للمواقف المعروفة من محاور الصراع الداخلي الذي بات على ارتباط اشد بالصراع الاقليمي. ومن هذه الزاوية فإن جلسة 2 آذار التي يقال إن حركة الرئيس سعد الحريري ستؤدي الى رفع المشاركة فيها الى رقم "مرموق " يمثل سقفاً سياسياً ضاغطاً في وجه المعطلين للنصاب، وعلى رغم ان المرشح الذي يدعمه أي النائب فرنجية لا يزال يربط حضوره بموقف "حزب الله" من المشاركة، ستغدو بمثابة محطة فاصلة لاحقاً على صعيد تقرير مصير معادلة حصر الترشيحات بالمرشحين العماد عون والنائب فرنجية وربما فتح قنوات الاحتمالات "الثالثة" والا ذهبت الازمة الرئاسية في غياهب مزيد من الانتظار والجمود والتعقيد.

الأزمة... وتطمينات سلامة
وفي انتظار بلورة هذه الاتجاهات قالت مصادر وزارية إن زيارة رئيس الوزراء تمام سلام للسعودية لا يزال يكتنفها الضباب، علماً ان الرياض ما زالت تخوض المواجهة مع إيران وتالياً مع "حزب الله" مما يعني ان الظروف ليست مؤاتية لهذه الزيارةز وقد حرص السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، الذي من المرجح انه إنتقل الى الرياض لإجراء مشاورات، في تصريحاته الاخيرة على تبديد التشنج الذي راج حيال علاقة بلاده مع الرئيس سلام مما شكل دعماً معنوياً للأخير. ولفتت الى ان تحذيرات رسمية صدرت مباشرة الى اطراف داخلية أشاعت الذعر بعد إعلان الرياض عن إجراءاتها حيال لبنان. لكن السفير عسيري كشف أمس ان المملكة العربية السعودية لم تحدد موعداً بعد للرئيس سلام، موضحاً ان حكومته لا تزال تنتظر اجراءات مهمة من لبنان من غير ان يحدد هذه الاجراءات.
وتميزت الموجة الجديدة من الاجراءات السعودية باعلان السلطات السعودية تصنيف أربع شركات وثلاثة أشخاص "ارهابيين لارتباطهم نشاطات تابعة لحزب الله".
في غضون ذلك، استبعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أي خطر على الليرة اللبنانية في ظل الازمة الديبلوماسية مع الدول الخليجية وما تزامن معها من كلام عن امكان سحب ودائع خليجية من المصارف اللبنانية. وشدد على سياسة المصرف المركزي في المحافظة على استقرار الليرة، وأبلغ وكالة "رويترز" انه لم يتبلغ أي اجراءات اتخذتها السعودية ضد المصالح الاقتصادية اللبنانية. وقال: "لا خطر على الليرة اللبنانية والقطاع المصرفي قوي وسليم". 

 

الحريري
الى ذلك، اكتسب الاستقبال الشعبي الحاشد الذي لقيه الرئيس سعد الحريري عقب تأديته صلاة الجمعة امس في مسجد الامام علي في الطريق الجديدة دلالة بارزة. وخاطب الحريري الحشد قائلاً: "لقد حمينا لبنان وسنستمر في حمايته ولا نريد ان يحدث أي سوء لهذا البلد".
وفي تطور سياسي آخر زار الوزير السابق عبد الرحيم مراد مساء أمس "بيت الوسط" والتقى الحريري مشدداً على "ان تكون الكلمة موحدة على الصعيد السني والوطني"، وقال: "اخطأنا كثيراً عندما لم نقف الى جانب السعودية في موضوع حرق سفارتها في طهران".

استقالة ريفي
على صعيد آخر، أبلغت مصادر وزارية "النهار" ان إستقالة وزير العدل أشرف ريفي لن تُبت لان مجلس الوزراء سيرفضها بإعتبار أن لا حق للمجلس في قبولها لكون هذه الصلاحية لصيقة برئيس الجمهورية وحده والتي لا تجيّر إلى أحد. وقالت ان الرئيس الحريري يجري إتصالات مع الوزير المستقيل ليقنعه بالعودة عن الاستقالة، على ان يتم إختيار الوقت المناسب لهذه العودة.