ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، التي إن وعيناها وعشناها، فستساهم في ضبط انفعالاتنا وعصبياتنا وتوتراتنا المتأججة، فمعها سنشعر بأن الله حاضر عند كل كلمة نقولها أو نكتبها، وعند كل موقف نتخذه، فهو يراقب وسيحاسب ويجازي، وعندها، لن نتكلم إلا خيرا، ولن ننطق إلا عدلا، لأننا نستهدي الله في مواقفنا.وبذلك سنوفر على أنفسنا ومجتمعنا ما يعانيه بسبب تداعيات ما نكتبه وما نقوله وما نحكم به، ولن نكون خشبة في تيار أحد، وعندها فقط سنكون جديرين بتأييد الله ونصره، فهو لن ينصر المتوترين والانفعاليين، أو الذين لا يحسبون العواقب ويتدبرون النتائج، بل سينصر الواقعيين والمخططين الذين ينظرون إلى الغد، ولا يكونون أسرى اللحظة أو المصلحة. بهذه الروح، تتحقق انتصارات التاريخ، وبها نواجه التحديات".

اضاف: "البداية من لبنان، الذي دخل في أتون الأزمة الناتجة من تداعيات قرارات غير مسبوقة من عدد من الدول الخليجية، تحت عنوان خروج لبنان عن الإجماع العربي، والتي أصبح من الواضح أنها ستترك أثرها في استقرار هذا البلد، وستساهم في مزيد من الانقسام الداخلي، حتى إنها باتت تهدد عناصر الأمان الموجودة فيه، والمتمثلة بالحوار الداخلي والحكومة.لقد بات واضحا أن الضغوط التي يتعرض لها لبنان من بعض الدول العربية، سببها السياسة الخارجية التي انتهجها مؤخرا. وبمعنى آخر، إن هذه الدول تريد له أن يتخذ مواقف أكثر وضوحا وانسجاما معها في مقاربتها للقضايا العربية، ما يحمل محاذير عديدة، أبرزها إدخال لبنان في إطار صراع المحاور الجاري في المنطقة.ولكن كما هو واضح لهذه الدول، فإن هذه المطالب غير واقعية أو غير ممكنة التحقق، لتنوع لبنان الطائفي والمذهبي والسياسي، الذي من الطبيعي أن يفرض تنوعا في خياراته السياسية أو في مقاربته لما يجري في العالم العربي أو العالم كله، وهذا ليس جديدا، بل إنه سيبقى ما دام لبنان محكوما بسياسة التوافق، وليس فيه غالب ومغلوب، وهذا هو سر أمانه وبقائه. ونحن لا نعتقد أن من يحرص على لبنان، يريد له أن يدخل في صراع داخلي، ولا سيما الذين صنعوا اتفاق الطائف فيه، وأوجدوا صيغته، وأخرجوه من الحرب الأهلية، فهؤلاء ينبغي أن يكونوا أكثر الناس معرفة بهذه الصيغة وحفظا لها". 

وتابع: "إننا نريد من كل العرب أن يحرصوا على هذه الصورة التي تميز بها لبنان، لكونه بلد التنوع وصلة الوصل بين الشرق والغرب، وإلا سيفقد أهميته ودوره وحضوره، وفي الوقت نفسه، نريد له أن يقيم أفضل العلاقات مع الدول العربية.وعندما نتطلع إلى انعكاس ما جرى على الداخل اللبناني، فإننا نثمن الجهد الذي بذلته القيادات اللبنانية، متمثلة بالحكومة، للخروج بصيغة توافقية داخلية أنقذت الحكومة من الانهيار، وأمنت نوعا من الاستقرار الداخلي، ولا سيما الجهد الذي بذله رئيس المجلس النيابي للابقاء على الحوار الداخلي بين حزب الله وتيار المستقبل، ولو بحده الأدنى، والذي نأمل أن يستمر في بذله في المراحل اللاحقة".

ودعا "الجميع إلى وعي خطورة المواقف والتصريحات والكتابات المتشنجة التي تصدر من هنا وهناك، تجاه هذا المذهب أو ذاك، أو هذا الفريق أو ذاك، والتي نخشى آثارها وتداعياتها، ولا سيما عندما تأخذ بعدا مذهبيا وطائفيا، فالمطلوب في هذه المرحلة، ورأفة بهذا البلد وإنسانه الذي يكفيه ما يعانيه من أزمات وشعور بالخوف على الصحة والمصير، التخفيف من أجواء التشنج والشحن الذي نشهده في الساحات وفي المنابر، وفي التصريحات والخطابات، ونقل هذه الخلافات إلى مواقعها الحقيقية، إلى الحكومة أو إلى جلسات الحوار ليتدارس الجميع الحلول التي تحمي لبنان من تداعيات ما يجري".

وقال: "اننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى من يبرد الساحة، لا من يسعرها، وإلى من يطفئها، لا يصب الزيت على نارها. فقد يتحمل اللبنانيون حصارا اقتصاديا وسياسيا، وقد تحملوه سابقا، لكن من الصعب أن يتحملوا فتنة داخلية لا تبقي ولا تذر".

وختم فضل الله :"وإلى سوريا، حيث نرى أهمية الهدنة التي بدأت بوادرها بالظهور، ونأمل أن تحصل وتترسخ لتنهي عذابات الشعب السوري وويلات الحرب في هذا البلد. إننا نأمل أن تساهم هذه الهدنة في تعجيل فرص المصالحات الداخلية، وإجراء حوار داخلي جاد يكون الهدف منه هو مصلحة الشعب السوري، بعد أن بات واضحا أن أهداف ما جرى بعيدة كل البعد عن تطلعات هذا الشعب.ويبقى الحذر من كل الذين لا يريدون للحرب أن تتوقف، أو الذين يسعون إلى جعل هذا البلد ساحة لتقاسم نفوذ دولي وإقليمي، بحيث لا نرى سوريا، كما نريدها، موحدة ومتراصة. ونحن نرى أن وعي الشعب السوري وكل الحريصين عليه، سيساهم في منع هؤلاء من تحقيق أهدافهم، وسيعيد سوريا إلى حيث ينبغي أن تكون".