فجأة، انتفضت السعودية من سبات عميق استمر لسنوات وقررت الدفاع عن مصالحها الحيوية بعد أن تلمست باليد هذه المرة واستشعرت الخطر الحقيقي على بلادها واستقرارها واقتصادها، ولولا تعنت الحوثيين ومن ورائهم وتدحرجهم السهل والسريع صوب عدن واحتلالهم لها وجلوسهم على ضفة مضيق هرمز وعدم الاكتفاء بكامل الجغرافيا اليمنية لما كنا شهدنا ما نشهده الآن من فورة سعودية ولا من عواصف حزم ولا من يحزمون.
الاّ أنّه وقد وقعت الواقعة، ووصلنا إلى ما كنا نحذر منه منذ مدة طويلة جداً من دون أن نلقى حتى أيّ أذان صاغية ولم نجد أي صدى من تحذيراتنا إلى أن بتنا كمن يصرخ في واد غير ذي زرع. ولطالما كنّا نحن المعارضون الشيعة نصرّح ونقول إنّ المشروع الإيراني وأدواته في لبنان يشكل خطراً حقيقياً على الكيان اللبناني أولاً وعلى المصالح العربية والمنطقة ثانياً، ولم نلقَ من حلفاء المملكة في لبنان ومن المملكة نفسها إلا المزيد من الإستخفاف واللامبالاة، ولطالما تعاطت معنا المملكة على العكس تماماً ممّا نتهم به من احتضان ودعم ورعاية، بل لم ننل منها إلا كل تهميش وإدارة ظهر.
كم كنت شخصياً أضحك حتى الثمالة عندما أسمع من جماعة 14 آذار شعار "لبننة حزب الله"، وكنت أصكّ وجهي في كل مرة أقرأ بيان حكومي يقال عنها بأنّها حكومة وحدة وطنية تغطي سلاح حزب الله على أنّه سلاح مقاومة ويزيد من هامش حركته ويقوي حضوره على حساب الدولة.
أصرت المملكة العربية السعودية طيلة الفترة الماضية ولسنوات كثيرة أن تتعاطى مع الشيعة اللبنانيين من بوابة الثنائي السياسي فقط لا غير، مما حوّل عن سابق تصور وتصميم كل من هو خارج هذا الثنائي من شخصيات ومثقفين وإعلاميين ورجال دين إلى ما يشبه النعجة السوداء فلا هم مقبولون عند جماعتهم ولا هم محضنون من الاخرين، وبهذه السياسة الخاطئة فلا ربحت الثنائية ولا استطاعت أن تبني لها صداقات داخل الطائفة الشيعية إلاّ ما ندر من ملحقين موظفين لا يحملون مشروعاً ولا قضية.
هذه الحالة التي وصلنا إليها الآن بسبب هذا الأداء، هو ما جعل من الوفود المتقاطرة على سفارة المملكة في بيروت خالية من أي وفود شيعية يعتد بها، أو حضور شخصيات شيعية يمكن الإعتماد عليها، ممّا أفرغ أيّ معنى سياسي حقيقي لكل تلك الوفود مع كامل الاحترام لها، فما جدوى من من وفود بيروتية أو طرابلسية هي بالأصل محسوبة على المملكة وسياستها! ولا أجد بدّية من التذكير هنا، بأنّه ليس المقصود إيجاد " مرتزقة " شيعية داخل الطائفة يوالون السعودية على حساب ولائهم للبنان أو لطائفتهم على غرار ما يقوم به الحزب داخل الطوائف الأخرى، بل كل المقصود هو تدعيم واحتضان لهؤلاء المجموعات من الشيعة المتحررين من الهيمنة الإيرانية ويتقاطعون رؤيوياً مع مشروع السعودية للبنان والمنطقة ليس أكثر، بالخصوص أنّ أمثال هؤلاء "الأيتام الشيعة " هم موجودون ومستمرون ويقومون بكل ما هم مقتنعون به بدون أي دعم او مساعدة من أحد بالخصوص من المملكة.
إنّ المعارضين الشيعة للمشروع الإيراني بالمنطقة، والذين وقفوا بصدورهم العارية وبكلمتهم الحرة وبأقلامهم الحزينة ومن داخل بيئتهم ومن بين أزقة قراهم يعلنون مواقف متقدمة ويدقون ناقوس الخطر القادم على طائفتهم أولاً وعلى بلدهم ووطنهم من دون أن يلتفت إليهم أحداً وعانوا ما عانوا وهم لا يرجون لقاء ذلك أجراً ولا شكوراً إلاّ ما يرونه أصلح لقومهم ولمنطقتهم معهم فقط يمكن إيجاد خشبة الخلاص للوطن، ومن دونهم فإنّ الصراع سيتحول فوراً إلى صراع مذهبي يزيد الامور تعقيداً ويضاعف من سرعة السقوط بالهاوية التي نمشي على حافتها الآن.
في الختام وللمرة الالف نقول للمملكة التي نكن لها كل احترام ولحلفائها في لبنان إن أيّ مواجهة سياسية للمشروع الإيراني بلبنان لن يكون ذو قيمة حقيقية ولن يكتب له الحياة من دون شريك شيعي حقيقي يحمل مشروع بناء الدولة ويؤمن بوطن المؤسسات وعليه فإنّ كانت المملكة وحلفاؤها جادين بخوض هذا المعترك فإنّ الخطوة الأولى المطلوبة منهم هي الإعتذار لهؤلاء الشيعة اللبنانيين المتروكين وحدهم كل هذه المدة اولاً. .