في شهر واحد فقط، تحدّث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثلاث مرات إلى الشعب. الرجل الذي كان مقلّا في الحديث من قبل، وكان الجميع يترقب ظهوره وينتظر كلماته، أصبح يتكرّر ظهوره وحديثه بشكل متسارع.
ولكن ليس تزايد معدل كلماته هو ما يلفت الانتباه، بل الطريقة التي يظهر بها، وبعض ما يقوله أصبح أكثر إثارة للجدل.
الرجل الذي دفع حديثه ملايين المصريين للنزول الى الشوارع في 26 يوليو 2013، لتفويضه بمحاربة الإرهاب، حين كان وزيراً للدفاع، وحشدت تعهداته بأن يرفع مكانة مصر لتصير «أد الدنيا»، شعبيته، أصبحت أحاديثه المتكرّرة مثيرة للجدل... وللغضب أحياناً.
في السادس من شباط الحالي، كان السيسي يفتتح مشاريع إسكان في مدينة السادس من أكتوبر، وفي كلمته خلال حفل الافتتاح، قال نصاً «انا مش هاقدر ادعم مياه الشرب ولازم تدفعوا ثمنها كامل»، في إشارة واضحة جداً الى رفع أسعار مياه الشرب.
وبرغم أن التقشف كان مصاحباً أغلب الأوقات لخطاب السيسي، إلا أن التصريح أثار جدلاً كبيراً، خاصة بعدما ظهر موكب الرئيس متحركاً على سجادة حمراء ممتدة، في أحد مظاهر البذخ، الذي استدعى إيضاحات رسمية في ما بعد.
وفي 14 شباط الحالي، توجّه موكب مهيب للسيسي نحو البرلمان لإلقاء خطاب أمام النواب. الموكب الذي اصطفت على جانبيه الدراجات النارية، وضمّ عدداً كبيراً من السيارات الفخمة، وأخليت له الشوارع والميادين من السيارات والمشاة على السواء، لم يتناسب أيضاً مع ما قاله الرئيس أمام البرلمان عن العاملين في الدولة المصرية، حيث اعتبر في كلمته أنه ليس بحاجة سوى لمليون شخص من العاملين في الحكومة، في مقابل سبعة ملايين هم قوام الموظفين العموميين حالياً.
الحديث حمل ما يشبه التهديد المباشر لستة ملايين من موظفي الدولة المصرية، الذين اعتُبروا دائماً أهم عوامل الاستقرار في المجتمع، برغم إشارة طمأنة من السيسي.
اما خطاب السيسي، أمس الأول، والذي أطلق فيه استراتيجية مصر للتنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، فجاء مناقضاً لمفهوم الاستراتيجية والتخطيط بعيد المدى، إذ غلب عليه الحديث العفوي الانفعالي.
ولم يبدُ حديثاً يعبّر عن خطة واستراتيجية واضحة المعالم. حتى أن رئيس الجمهورية نفسه اعترف بأن الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء خلال أكتوبر الماضي، قد أسقطت بفعل عمل تخريبي، وهو الافتراض الذي قاومت الجهات المصرية تأكيده منذ اليوم الأول للحادث. بينما قد يعني تأكيد رئيس الدولة علانية به، اعترافاً بقصور وسائل الأمان في المطارات وقد يعني أيضاً التزام مصر بسداد تعويضات ضخمة للضحايا. فضلاً عن الكثير من التعبيرات التي وردت في كلمة الرئيس وأثارت موجة من الجدل والسخرية والنقد.
التحوّلات التي طرأت على خطابات السيسي مؤخراً وأثارت جدلاً كبيراً، وتراجع الدفاع عنها بشكل واضح، ربما تتصل بمجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعيشها مصر.
عمرو عبد الرحمن، مدرس القانون في الجامعة الأميركية في القاهرة، يقول لـ «السفير» إن «هناك تغيّراً واضحاً في خطابات السيسي، فهو على الأقل كان مقلاً في خطاباته وظهوره بشكل عام، ولم يكن يتدخّل في السياسة اليومية بهذا الشكل. ولكن يبدو أن تعقيدات الموقف فرضت عليه الإفراط في الحديث».
ويضيف عبد الرحمن «منذ الربع الأخير من العام 2015، بدأت أزمة نقدية واضحة في الظهور، كما أن أداء الجهاز الأمني بجموحه وفشله في الوقت ذاته، قد دفع الرئيس إلى التدخل المستمرّ. ومن الواضح أيضاً أنه لا يوجد غير الرئيس ليتحدّث، فالسيسي ليس له حزب سياسي، أو كتلة برلمانية واضحة، برغم أن البرلمان بالكامل يؤيده. لذا فإنه يأخذ على عاتقه تبرير وتفسير كل شيء. ومن الواضح أن مؤسسة الرئاسة أصابتها أزمة ولم تعُد بنفس الكفاءة التي كانت عليها، بحيث تجيد تنظيم المراسم والكلمات بما لا يستفز المشاعر».
ويرى عبد الرحمن أنه «نتيجة تكرار أحاديث الرئيس على ذلك النحو خلقت حالة عامة من عدم الاكتراث. وحتى المؤيدين له أصبح تأييدهم سلبياً فتراجع الدفاع عنه... ونتيجة ذلك لا يمكن توقعها الآن».
وثمة فارق واضح بين ردود الأفعال على كلمة السيسي، الذي طلب تفويضاً لمواجهة الإرهاب، فامتلأت الميادين بالمفوّضين، وبين السيسي الذي اخترق موكبه الميادين الخاوية ليبشر بالاستغناء عن ستة ملايين موظف، ويطلب في كلمته جنيهاً من كل مواطن صباحاً لدعم مصر، بينما كان يطلق استراتيجية بعيدة المدى... والمؤكد أن مياهاً كثيرة قد جرت في النهر، بحيث لم يعُد مَن يحدّثهم السيسي هم أنفسهم الذين بايعوه من قبل.
مصطفي بسيوني