لم تزل الخطوات الخليجية العقابية تجاه لبنان محل تساؤل حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه تدرّجها صعوداً. فرغم الصفعة القوية التي تعرّض لها لبنان عبر وقف الهبة السعودية للقوى العسكرية والأمنية، إلا أنّ الصفعات بدأت بالتوالي من دون أفقٍ نهائيٍ واضح. هذا في ظلّ عجز الحكومة اللبنانية، بحكم تكوينها، عن الإستجابة لمطلب خليجي، وسعودي تحديداً، يصحّح موقف الحياد الرسمي تجاه العدوان على الممثليات السعودية في إيران.
لا شكّ أنّ المناخ، الذي بثّه فرض الإجراءات الخليجية ضد لبنان، خلق جوّاً ملائماً لتناقل مجموعة من الإجراءات المحتملة ضد لبنان، مثل طرد لبنانيين من الخليج، أو سحب ودائع سعودية من البنوك اللبنانية، إلى محاولة بثّ أخبار تدعو المودعين إلى استبدال أرصدتهم اللبنانية بعملة أجنبية، وصولاً نحو المزيد من المخاوف. تلك التي جعلت الكثير من اللبنانيين يتساءلون إن كنّا مقبلين على أوضاع أمنية متفجرة، لا سيما مع قرارات الدول الخليجية التي منعت رعاياها من زيارة لبنان، وطلبت ممن يقيمون فيه أن يغادروه.
الثابت أنّ المناخ السياسي والإقتصادي والمالي سيء. وهذا ما يجعل من المخاطر الأمنية جدية وسط مناخ متنامي من القلق والإستياء في أوساط لبنانية تتحسس مخاطر انسحاب دول الخليج من لبنان. كلّ هذا وسط أوضاع إقتصادية سيئة مرشحة للإنهيار فيما لو لم يستجب صاحب القرار الخليجي إلى مناشدة اللبنانيين عدم الذهاب بعيداً في الإجراءات المؤذية لكل اللبنانيين، من أصدقاء وخصوم وأعداء على السوية نفسها. مع الإشارة إلى أنّ قدرة حزب الله، ومن خلفه إيران، تبقى أقوى على تحمل التبعات، إن لم تكن الأكثر استعداداً لملء فراغ سيحدثه الإنكفاء الخليجي عن لبنان. وإن كان هذا الفراغ أكبر بكثير ممّا تستطيع إيران وحزب الله ملأه.
ولعلّ ما يثير القلق هو الغموض الذي يحيط بالإجراءات السعودية ومداها. إذ تشير أوساط دبلوماسية غربية في بيروت، معنية بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية في لبنان، إلى أنّها فوجئت بالقرار السعودي ولم تكن على معرفة مسبقة بصدوره. هذا رغم الأجواء غير المريحة التي كانت تحيط بتنفيذ الهبة خلال الأشهر الماضية. ولفتت المصادر إلى أنّ قرار إلغاء الهبة هو قرار سيادي سعودي، لكن تداعياته تطرح تساؤلات حول مدى قدرة لبنان على تحمل تبعاته، لا سيما أنّه استتبع بسلسلة إجراءات سلبية تبنتها دول الخليج على وجه العموم.
وفيما تشدد على المخاطر التي يمكن أن تسببها الإجراءات الخليجية ضد لبنان، أكدت المصادر الدبلوماسية نفسها أنّ ثمّة متابعة دبلوماسية تقوم على منع دفع لبنان نحو متاهات أمنية وعسكرية. وتلفت إلى أنّ مخاطر الإرهاب على لبنان جدّية، وإن ما أنجز خلال الفترة الماضية، في سبيل لجم تمددها من سورية إلى لبنان، معرض للإنهيار فيما لو لم يعِ اللبنانيون أهمية حماية الإستقرار السياسي وبالتالي الأمني. وفي هذا السياق تلفت إلى أنّ الثقة التي اهتزت بالدولة اللبنانية من قبل أكثر من جهة دولية ومؤسسات مالية، تنذر بعواقب على الوضع اللبناني، بحيث يشكل الموقف الخليجي إنذاراً خطيراً على الوضع اللبناني برمته. هذا الموقف الذي يبدو أنّه يدير الظهر للبنان.
في كل الأحوال يبقى ضرورة انتخاب الرئيس وإعادة ترميم المؤسسات الدستورية لازمة تؤكد عليها الجهات الدبلوماسية الغربية على اختلافها، كأحد الوسائل التي توضع أمام اللبنانيين حين السؤال عن الحلول الممكنة للاوضاع المعقدة والضاغطة على لبنان الدولة.
خلاصة ما يمكن استخلاصه من الأوساط الديبلوماسية الغربية في بيروت، أنّ لبنان مفتوح على احتمالات شتى، رغم الجهود الدولية الساعية لحفظ الاستقرار، ومنع تدهور الأوضاع الأمنية. لكنّ هذه الأوساط تشير إلى أنّ أجواء التوتر واهتزاز الثقة توفر ظروفاً ملائمة لبثّ الشائعات ولحصول اختراقات أمنية. وتُنبّه إلى أنّه على الحكومة مجتمعة أن تتحمل مسؤولياتها وألاّ تنسحب وألاّ تنكفىء نحو التعطيل أو الإستقالة. وتلفت الأوساط الديبلوماسية الغربية إلى أنّ الرسائل الدولية باتجاه لبنان تدعو إلى المحافظة على الحكومة وعلى ضرورة أن تقوم بما يجب لحماية لبنان.
في المقابل تبدو أجواء التصعيد الخليجي تجاه لبنان هي الغالبة. في وقت يردّد كثيرون، ممن يحاولون التقاط ولو واحد من ملامح الوجهة الخليجية الجديدة خلال المرحلة المقبلة تُجاه لبنان، أنّ القيادة السعودية تتعامل مع الملف اللبناني وكأنّها تخوض معركة وجودية لن تتوقف قبل أن تتغير المعادلة القائمة في لبنان. المعادلة التي باتت تشكل خطراً مباشراً على السعودية وعلى دول الخليج عموماً. هذا ما حاول الاعلام الخليجي في اليومين الماضيين التركيز عليه من خلال إثبات إشراف حزب الله على عمليات القصف على السعودية من اليمن، ومن خلال اتهام وزارة الداخلية السعودية حزب الله بمحاولة إغراق السعودية بالمخدرات.