من المعروف أن ثمّة شركات فنيّة رياضية , تتعهّد إحتفالات وحفلات ومباريات رياضية , لهدفين , الربح المالي وتسلية الجمهور , والترويح عنه , وفي بعض الاحيان تروّج خلال الحفل أو المباريات بعض الدعايات الغائية , وأشهر العقود الرياضية التي لا ينتبه لها الجمهور , هي العقود التي تتم بين هذه الشركات وبعض نوادي المصارعين , وكنا نشاهد , وما زلنا على بعض الشاشات , حفلات مصارعة على حلبة يعتليها إثنان أو مجموعة من المتصارعين , وتبدأ الجولات بصفّارة الحكم , فجولة يغلب فيها الاول , وجولة للثاني , وكنا نظن أن الصراع حقيقي وجاد , لكثرة الضربات الموجعة بين الطرفين , حتى إراقة الدماء , وكنا نتحمّس لطرف على آخر , ظناً منا أن القضية قضية حق وباطل خاصة عندما يميل الحكم ونشعر أنه لا يعدل , وأهم ما فيها أنها كانت تُمارس بطريقة جدّية ملعوبة على الجمهور , حيث تكون الخسائر حقيقية من تدمير الحلبة إلى ضرب الحكم بعض الاحيان وصولا إلى الجروح والقروح الواضحة على أجساد المتصارعين , ولما كبرنا وإطلعنا عرفنا أن هناك وكلاء تجار خلف هذه اللعبة , ولكل متصارع أجرٌ معلوم .
في السياسة يبدو أن لعبة المصارعة هذه قد تُستثمر , وهنا أذكر مصطلح في العلوم السياسية أضيف في النصف الثاني من القرن العشرين , بعد مقاطعة بين أميركا وإيران الشاه لفترة طويلة , وكانت صدفة أن إلتقى فريقي كرة القدم للدولتين , فكانت مناسبة دبلوماسية لحل بعض العقد بينهما , فسُميت آنذاك ( دبلوماسية الكرة ) ومن يومها دخل هذا المصطلح ضمن مصطلحات العلوم السياسية والعلاقات الدولية .
يشهد اليوم لبنان حالة من التهيئة للمصارعة , قد قيل فيها كلّ شيء , وصُرّح بكل شيء , ولم يبق شيئا مخفيا على الجمهور الذي يتهيّأ للتصفيق والتشجيع للمتصارعين بالوكالة , بهذا يكون قد تمّ التحضير لجولة المصارعة الكبرى , والكل ينتظر صفارة الحكم , على غرار المصارعة اليونانية بحضور الملك ووزرائه , ويكون الضحية فيها بعض العبيد الذين يحاولون جهدهم لإرضاء الملك الشاهد , أو على غرار مصارعة الثيران , الذي يكون الضحية فيه ثورٌ بريء لا يعرف بأي إتجاه يسير , هذا التشبيه متوقف على بدء النزال لنرى إن كان أشبه بصراع الانسان للإنسان , لأن الظاهر أن التحضيرات ليست عقلية ولا عقلائية , وغياب العقل والتعقل في مرحلة التحضير للجولات القادمة يدل على أن الصراع سوف يكون غرائزيا , وهذا يعطي الصراع صفة العنف الغرائزي , التي يستعمل كلّ شيء ما عدا العقل , ويبدو أن الحلبة اللبنانية آيلة إلى التحّطم , والجمهور اللبناني سوف يكون ضحية هذا الصراع العبثي المُتفق عليه .