يرفع «حزب الله» وأنصاره في لبنان سلاح الدعوة الى مؤتمر تأسيسي في وجه تلويح تيار «المستقبل» بالاستقالة من الحكومة الحالية. يقول الحزب ان الآخرين مضطرون الى القبول بواحد من خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالدور والنفوذ والتمدد الذي يمارسه في مؤسسات الدولة اللبنانية وإما سيقلب الطاولة على الجميع ويفرض حله الخاص.
في المبدأ، تبدو فكرة المؤتمر التأسيسي ضرورية في المرحلة هذه التي بلغها الاجتماع السياسي اللبناني من ناحية التفكك وعجز السلطات التنفيذية عن أداء أبسط مهماتها. اتفاق الطائف الذي يكرر أقطاب «14 آذار» تمسكهم به انتهى بعد احتضار طويل سببته الوصاية السورية وعدم الالتزام بنص وروح الاتفاق ناهيك عن تغيرات عميقة في المشهد الدولي الذي احتضن «الطائف» حيث انكفأت الولايات المتحدة وبات راعياه الاقليميان، المملكة العربية السعودية والنظام السوري في حالة عداء صريح.
لبنان إذاً في حاجة الى اعادة صوغ نظامه السياسي للخروج من ازمته التي مرّ عليها أكثر من عقد من الزمن. إدارة النظام على الطريقة التي جرى اعتمادها بعد الانسحاب السوري في 2005 لم تزد عن كونها اداة لتوليد المآزق والازمات عند كل استحقاق انتخابي، نيابي او رئاسي، على ما يشهد الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية المستمر منذ حوالى العامين والمجلس النيابي المعطل والممدد لنفسه منذ عامين ونيف. الاعتقاد بقدرة لبنان على الخروج من ازمته البنيوية هذه من دون وقوع خضات سياسية وربما امنية كبيرة او تدخل خارجي كثيف، اعتقاد ساذج. ذلك ان سياسات الهوية وضعت لبنان في طريق مسدود لا مجال فيه إلا للصدام والعنف كمخرج وحيد من الجمود الخانق الحالي. واحدة من معضلات سياسات الهوية قيامها على التعامل مع مكونات «جوهرانية» لا تقبل التغير وثابتة في مكانها وزمانها، وليس على ادارة الاختلاف بين قوى واعية لمصالحها ولإمكان تبدل هذه المصالح.
بيد أن «حزب الله» بطرحه فكرة المؤتمر التأسيسي لا ينطلق من هاجس تصحيح الأخطاء ومكامن الخلل التي عانى منها اتفاق الطائف، بل يرمي الى تغيير التوازنات السياسية التي أرساها الاتفاق المذكور ومنها نقل السلطة السياسية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً. اختزل رئيس الوزراء (السني) في مراحل معينة السلطة في شخصه وهمّش رئاسة الجمهورية وبقية اعضاء مجلس الوزراء لكن هذه ستكون مشكلة بسيطة مقارنة بالكم الهائل من المشكلات التي سيطرحها المؤتمر التأسيسي لناحية الاضطرار لاعادة تشكيل عقد اجتماعي وسياسي جديد في لبنان المنقسم والواقف على شفير الهاوية.
غني عن البيان أن الحزب عندما يتناول هذا المؤتمر لا يقصد تحسين التمثيل المسيحي او تغيير شكل النظام الاقتصادي – الاجتماعي وبناء دولة الرفاه، بل يهدف الى إفهام السنّة اللبنانيين أنه وحلفاءه المسيحيين باتوا يشكلون اكثرية عددية وسياسية ينبغي لها ان تحصل على حصة مُقررة في السلطة. وهو يعلن أن الاصطفاف السني- الشيعي ضد المسيحيين اثناء الحرب الأهلية الماضية قد انتهى وظهر مكانه اصطفاف شيعي – مسيحي ضد السنّة. وعلى هؤلاء ان يرضخوا لهذه المعادلة بعد هزيمة المعارضة السورية المسلحة وبعد انفكاك العرب عن لبنان. وما من داعٍ للتذكير ان «المواطن» اللبناني لن يجني شيئاً من تغيير مشابه، لا على المستوى المعيشي ولا الاجتماعي، اللهم باستثناء ازدياد الخطب النارية التي تُبشّر بقرب الوصول الى القدس التي مرت طريقها في الزبداني والحسكة.
بكلمات ثانية، سيعمل رعاة المؤتمر التأسيسي المقبل، إذا حصل، على تكريس مرحلة طويلة ودموية من صراعات الهوية والطوائف والملل المتناحرة.