لم يكف مئات الوف اللبنانيين العاملين في دول الخليج وعائلاتهم المقيمة في لبنان ذعر ان تطاولهم الاجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ودول الخليج. ولم يكف اللبنانيين المقيمين الخوف من ارتداد هذه الاجراءات على الاقتصاد والاستقرار النقدي الذي يشكل المدماك الصلب الثابت في حماية الاستقرار اللبناني. كما لم تكف أبشع صورة تطارد لبنان جراء تمادي أزمة النفايات التي جعلت محطة "السي ان ان "الاميركية تسلط الضوء على ما وصفته بـ"نهر النفايات في بيروت". كل هذا لم يردع سجالات أو بالاحرى مبارزات المزايدة التي تعم المنابر تحت شعار "اعتذروا... لن نعتذر" التي تمددت الى مجلس الوزراء نفسه أمس فكانت مقدمات جلسته اشبه بحوار طرشان بين عدد من الوزراء المتعددي الاتجاه السياسية، فيما ضاعت وتضيع المعالجات الهادئة الرصينة للأزمة مع دول الخليج والتي يتولاها بصورة خاصة رئيس الوزراء تمام سلام تحت غبار الثرثرة.
يمر اليوم أسبوع كامل على نشوء الأزمة اللبنانية – السعودية – الخليجية وسط استمرار تصاعد المخاوف من امكان اتخاذ المملكة مزيدا من الاجراءات ما لم تبرز ملامح حلحلة في الايام المقبلة. والحال انه بدا من الصعوبة الجزم باي اتجاه يمكن ان تسلكه الازمة ما دامت الشائعات باتت أقوى من الحقائق وتسابقها في ظل فوضى سياسية واعلامية غير مسبوقة تمعن في الضرب على اعصاب اللبنانيين ولا تجد من يضع حداً حاسماً لها بتوضيح الحقيقة من الشائعة. لكن معلومات جرى تداولها وأكدها رئيس هيئة تنمية العلاقات السعودية – اللبنانية ايلي رزق لـ"النهار" عن تبلغ نحو 90 لبنانياً قراراً من ارباب عملهم بالاستغناء عن خدماتهم في السعودية نتيجة تازم العلاقات بين البلدين. في حين علم ان السفارة اللبنانية في الرياض لم تتبلغ اي خبر عن ترحيل هذا العدد من اللبنانيين.
ولعل الانكى من ذلك ما تناهى الى "النهار" من معلومات عن اجتماع لعدد من القناصل العرب انعقد أمس في جدة وطرحت خلاله الاجراءات المتخذة في حق لبنان وما اذا كان ممكناً دول عربية غير خليجية. وقالت مصادر نيابية مواكبة لتطورات العلاقات بين بيروت والرياض لـ"النهار" ان دوراً يمكن أن يضطلع به رئيس مجلس النواب نبيه بري لتهدئة العلاقات بين البلدين من خلال وقف الحملات من "حزب الله" على المملكة. لكن مصادر وزارية قالت إن الازمة في العلاقات السعودية - اللبنانية قائمة ولا مؤشرات لنهايتها في المدى المنظور بدليل ان حملة "حزب الله" على المملكة مستمرة وكذلك الاجراءات السعودية في حق لبنان.
الحكومة
بازاء ذلك بدت جلسة مجلس الوزراء أمس أكثر من عادية ورتيبة ولم تحمل سوى كلام للرئيس سلام يشدد على عمله من أجل تصحيح العلاقات مع دول الخليج. وعلمت "النهار" ان المقاربة لملف العلاقات اللبنانية - السعودية في الجلسة إقتصرت على إستهلالية الرئيس سلام ومداخلة من وزير العمل سجعان قزي ومن ثم إنصرف المجلس الى مناقشة بنود جدول الاعمال، الامر الذي إعتبرته مصادر وزارية "ترجمة لقرار سياسي بعدم تأزيم الموقف الحكومي مجددا". ومما قاله سلام في مداخلته استناداً الى المصادر انه، يعمل على إحتواء الازمة في العلاقات مع السعودية، داعياً الى عدم الاساءة الى البيان الصادر عن الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء بل يجب إحترامه وإلتزامه وعدم الخروج عنه كما فعل البعض. ودعا الى الشروع في درس جدول الاعمال وإذا كانت لدى الوزراء قضايا ليطرحوها من خارج الجدول فيمكنهم القيام بذلك بعد الانتهاء من درسه.
وطلب الوزير قزي الكلام فقال انه لا يجوز القفز فوق موضوع العلاقات مع الرياض بعدما تلقى المجلس "البركة" قبل صدور القرار عنه في الجلسة الاستثنائية وإذا بالإجراءات التي إتخذتها المملكة إستمرت فيما خرج بعض الاطراف عن القرار بما لا يصب في مصلحة لبنان من خلال التنكر للعلاقات بين بيروت والرياض وخصوصاًان ما قدمته المملكة للبنان شمل كل اللبنانيين من دون إستثناء. وعليه، المطلوب معالجة هذه الازمة بكل إهتمام.
"المستقبل": اعادة النظر؟
وفي ارتداد واضح للازمة على حوار "تيار المستقبل" و"حزب الله" صرح وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي لم يحضر الاجتماع الاخير انه يرى ضرورة "تعليق هذا الحوار ليراجع كل فريق كل الخيارات والسياسات ونعود بعدها بنظرة جديدة الى الامور". وتساءل في حديث الى برنامج "كلام الناس": "كيف يمكننا الجلوس والحوار وسط كل الادوار التي يلعبها حزب الله؟" وأعلن ان ايران تدرب سرايا للمقاومة في عدد من دول المنطقة منها الكويت ونيجيريا وان الحرس الثوري الايراني شغل خلايا في ثماني دول خلال عام 2015 خرجوا من لبنان وتدربوا فيه. وقال ان "الدول الخليجية أعلنت المواجهة مع لبنان فماذا نفعل؟" وأضاف: "من قال سنكمل في الحكومة؟ نحن في مرحلة إعادة النظر بوجودنا في أحزمة الأمان: الحوار مع حزب الله والحوار الموسّع والحكومة".
وأبلغ النائب سمير الجسر، وهو أيضا في فريق "المستقبل" للحوار مع "حزب الله" "النهار" أن مصير هذا الحوار سيتقرر في اللقاء الذي سيجمع الرئيس بري والرئيس سعد الحريري بعد عودة الاول من الخارج. وقال إن جلسة الحوار الاخيرة جاءت بعد إتصال من الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط بالرئيس الحريري فتقرر إن يلتقي مدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل في حضور الوزير علي حسن خليل، فأبدى الحريري ملاحظاته على الموقف من السعودية ووصفه بإنه غير مقبول وسأل أين المصلحة الوطنية في أخذ البلد الى هذه الازمة؟ وتساءل الجسر: "لماذا لم يقتد لبنان بالعراق بالوقوف مع الاجماع العربي في القاهرة؟".
الامم المتحدة
الى ذلك، أفاد مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى ان الأمم المتحدة اتخذت أمس موقفاً لافتاً من الوضع الراهن في لبنان، مطالبة بـ"تحصينه من التوترات الإقليمية" وداعية "بالحاح" الى ملء الفراغ الرئاسي. وحضت دول العالم على مواصلة دعم الجيش اللبناني لتعويض قطع المساعدة السعودية.
ورداً على أسئلة عن تردي علاقات لبنان مع السعودية ودول خليجية أخرى، صرح الناطق بإسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بأن "هناك اتصالات دورية وتقارير" بين بعثة الأمم المتحدة في بيروت والمقر الرئيسي في نيويورك ولكن "ليس ثمة أمر غير عادي". وقال إن الأمين العام بان كي - مون والمنسقة الخاصة سيغريد كاغ "يشددان على أهمية استقرار لبنان، طبقاً لما يكرره مجلس الأمن والمجموعة الدولية لدعم لبنان". وأضاف أنه "من الواجب تحصين لبنان من التوترات الإقليمية"، مؤكداً أن "دعم الأمم المتحدة يواصل تعزيز استقرار لبنان على كل المستويات، بما في ذلك الجيش اللبناني وفقاً لما يطالب به مجلس الأمن". ولفت الى أن "المجتمع الدولي يواصل أيضاً التشديد على الحاجة بالحاح الى ملء الفراغ الرئاسي". وذكر أن كاغ "تواصل اجتماعاتها الدورية مع شركائها اللبنانيين على أرفع المستويات، بالإضافة الى أعضاء السلك الديبلوماسي".
وسئل عن وقف المساعدة السعودية للجيش اللبناني، فأجاب: "السعوديون أحرار في ما يفعلونه بأموالهم. غير أننا ندعو كل الدول الى التقدم من أجل مواصلة دعم الجيش اللبناني".
وعلمت "النهار" من مصدر موثوق به في الأمم المتحدة أن "المجتمع الدولي مستعد لتجديد دعمه للبنان ولتأكيد استمرار مظلة الحماية الموفرة له، وخصوصاً عبر مجموعة الدعم الدولية، في ظل تصاعد الضغوط في المنطقة على مستويات مختلفة".