"السياسيون يأكلون الحصرم والمواطنون يضرسون"، حقيقة يشعر بمراراتها اليوم اللبنانيون في الخليج الذين يعيش بعضهم على أعصابه منذ أن اتخذت المملكة السعودية قراراها وبدأت تسحب يدها من لبنان بعد أن "ارتمى في الحضن الايراني ونسي من وقف إلى جانبه في ازماته وحروبه ودعمه مادياً ومعنوياً إلى أن تمكن من السير مجدداً "، بحسب ما يرى خليجيون.
لا يريد اللبنانيون اليوم المساواة فيما بينهم في نظرة الخليجيين اليهم، بل أن يتحمل كل شخص مسؤولية خياراته للحزب او القوى السياسية التي يؤيدها، فالأمر يتعلق بأعناقهم وأرزاقهم ومستقبلهم، يخشون "الآتي الأعظم" من أن يشمل قرار "اعدامهم المعنوي" من خلال ترحيلهم، لاسيما بعد حملات البعض على وسائل التواصل الاجتماعي ومطالبة الحكومات الخليجية ألا ترحم من "عضّ" اليد التي امتدت له، وخانها في وضح النهار، وأيّد الفرس ونسيَ أنه عربي.
ما يثير مخاوف اللبنانيين الذين بنوا آمالهم وأحلامهم على أرض الخليج أن تتحوّل نخبة المجتمع ضدهم وتبدأ تأثيرها من خلال وسائل الاعلام أو غيرها، فينسى الشعب الخليجي علاقات الصداقة التي تجمعه بهم فيقتلعها من جذورها بعد أن كانت تضرب في التاريخ. الأمر ليس بسيطاً، لاسيما وأن بعض ملامح خوفهم ترجمها بعض الكتّاب بمقالات بدأت تضع جميع اللبنانيين في كفة واحدة. منهم الكاتب السعودي أحمد عدنان الذي وجه اصابع اتهام الى قوى 14 آذار بالتخاذل من خلال القول" نفد الصبر السعودي من تخاذل حليفتها (قوى 14 آذار) واستضعافها لنفسها... للأسف جاءَ تفاعل قوى #14_آذار أقل من مستوى الحدث، كانت السعودية تنتظر الموقف فصعقَها بيانٌ، وفي اليوم التالي تمخضت الحكومة فولدت فأرا".
"تلاسنات على مواقع التواصل"
الكاتب السعودي جمال خاشقجي رأى انه من الخطّأ ان يحّول أي سعودي أو لبناني ما حصل إلى خلاف سعودي-لبناني، وقال في اتصال مع "النهار" ان "العلاقات بين الشعبين السعودي واللبناني ممتازة، وقد انزعجت عندما لاحظت أن البعض ينجرُ إلى تلاسنات في وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت هذه للأسف طبيعة هذه المواقع حيث يمكن لأشخاص أن يحفزوا هذا النوع من التخاطب". وأضاف: " لكن لاحظتُ كذلك أنه عندما نشرَ أحد الكتاب مقالة يسخرُ فيها ويسيء للبنانيين غُضب عليه وانتُقدت مقالته".
وأكد خاشقجي أن" الرأي العام السعودي لا يرى أن اللبنانيين سواسية، ويجب أن نكون ضد كل من يوسع الحلقة لتطال اللبنانيين جميعاً أو يضيقها لتشمل الطائفة الشيعية كافة، فحتى هذا خطأ يجب أن نقاومه بشدة". وفي رأيه انا "الموقف السعودي لا يعدو أن يكون موقفاً سياسياً ضد حزب سياسي خارج عن الأطر الشرعية والدستورية اللبنانية منذ عشرين سنة وقد كانت حالة خاطئة منذ أن وقع اتفاق الطائف. السعودية كانت تقدم الأمل على أنها في النهاية ستساعد اللبنانيين في التوصل إلى حل، لكن بعدما أصبح حزب الله قوة تمارس العدوان حتى خارج حدود لبنان اضطرت الى اتخاذ موقف ليس ضد لبنان بل ضد حالة لبنان التي استسلم بعضها الى حالة حزب الله".
لا غض للطرف بعد اليوم
يجب على اللبناني الذي كان يراهن على غض الطرف من السعودية حين يخالف الأنظمة، بحسب خاشقجي"أن يعيد النظر في ذلك، فالمزاج العام لم يعد يحتمل موقف سياسي أو غير سياسي فيه مخالف للأنظمة السعودية". ولن تصل الأمور إلى حد الكره بين الشعبين "نحن واللبنانيون متداخلون بشكل كبير جداً ولا أعتقد ان تتحوّل الامور الى عداء شعب لشعب وكل سعودي مدرك ان القضية تتعلق بحزب الله وليس بلبنان، ومن الجمل المتداولة في الفقرات السعودية، لبنان المسروق، فيوجد حرص على هذا البلد وادراك انها ليست حالة لبنانية عامة وانما حالة استلاب نتجت عن تصرفات حزب الله".
ويخلص خاشقجي الى ان "على اللبنانيين التفكير بأن الموقف السعودي قد ينفجر في النهاية في لبنان وينفعه، لذلك يجب أن نمضيَ بحذر ما بين هذين الاختيارين".
نغمة حادة
"اللبنانيون لهم محبة غير عادية لدى الخليجيين، لكن المشكلة أن قرارهم مختطف وبلدهم يحكم من خارجه"، بحسب ما قاله الكاتب الكويتي الدكتور عايد المناع لـ"النهار" مضيفاً: " نميّز بين اللبنانين وجماعة حزب الله، لكن القرارات ستشمل الجميع، وهناك ضغط شعبي خليجي، بعد القرارات المتخذة من وزير خارجية لبنان ضد مصلحتهم. وهناك نغمة خليجية حادة جداً قد تصل الى حد قطع كل الصلات معه واعتبار انه عندما يتغيّر الوضع في سوريا سيتغيّر لبنان رغماً عنه".
وأضاف ان "الناس يتأثرون بمواقف معينة، ومن الصعب التمييز بين اللبنانيين وانتمائهم الى 14 أو #8_آذار، وقد يعتبر بعض الخليجيين ان كل اللبنانيين مع حزب الله. وفي حرب الخليج رحلت السعودية عدداً كبيراً من اليمنيين لتقول لعلي عبد الله صالح ان موقفك مع صدام حسين له ثمنه". ولفت الى ان "طبيعة الخليجين مسالمة ليسوا عدوانين او استفزازيين ويعلمون أن الناس تأتي لبلادهم بحثاَ عن لقمة العيش، لكن على العرب أن يعرفوا أن لدى الخليجيين بدائل في سوق العمل، واذا اضطروا سيستبدلونهم كما أننا قد نشهد اعتداءات فردية على اللبنانيين".
" استبدال اللبنانيين"!
بعض اللبنانيين يأخذون على الخليجيين أنه ومن بعد مساعدتهم على النهوض والعمران أصبح بعضهم يتحدث عن سهولة الاستغناء عنهم، ويعلق المناع: "نعم ساهمَ اللبنانيون في عمران الخليج لكن غيرهم ساهم كذلك، كالايرانيين والهنود وغيرهم، نحن لا ننكر دور اللبنانيين في اكثر من مجال، لكنهم لم يكونوا متطوعين بل أخذوا كامل حقوقهم، والآن نستبدلهم بغيرهم، وهو أمر لم يكن في ودّنا لكن بما انهم فضلوا ايران علينا الله يهنيهم بها".
الخليجي سيأخذ بعين الاعتبار قرارات حكومته بتحذير السفر أو منعه الى لبنان لكن بحسب المناع "لديه بدائل و لم يعد لبنان البلد السياحي الوحيد، نعم هو الاقرب والمفضل، لكن هناك مناطق في الغرب أجمل منه".
من الصعب تصويب نظرة الخليجيين، ويقول المناع ان "التصحيح يجب أن يكون عند اللبنانيين وليس عندنا، وهناك طرح شعبي لمعاقبة لبنان من خلال مواطنيه المتضررين الأكبر من قرارات حكومتهم".
تمييز ولكن
الاعلامية البحرينية سوسن الشاعر اعتبرت في اتصال مع "النهار" أن " الخليجيين يميّزون بين الشعب اللبناني وهم على اطلاع واسع على أطيافه وانتماءاته وانقساماته بين 14 و 8 آذار وبين تيار المستقبل وحزب الله سواء على المستوى العام او النخبة. واذا كان هناك عتب من الشعوب الخليجية على اللبنانيين الرافضين لسياسة حزب الله فهو عدم تحركهم وتعبيرهم عن ذلك مع تركهم قرار بلدهم يختطف بهذا الشكل".
وتنفي الشاعر ان تكون النظرة الشمولية الى اللبنانيين يه الغالبة في مقالات الرأي ومواقع التواصل.
"لذلك العتب كبير"
تعيش الجالية اللبنانية في البحرين كأنها في بلدها، بحسب الشاعر التي قالت ان "هناك اكثر من 400 الف لبناني في السعودية وحدها، والتحويلات من المغتربين اللبنانيين في دول الخليج تصل الى 8 مليار دولار اي 85 في المئة من تحويلات 8 مليون لبناني في جميع انحاء العالم لذلك العتب كبير، وعلاقاتنا اكبر واوسع من ان تختزل في مواقف اتخذه تيار، والسعودية عتبها اكبر لأن منحها وودائعها الموجودة في البنوك لا تخدم فئة معينة بل الدولة اللبنانية". ورأت ان "اللبنانيين لن يرحلوا من الخليج والدليل انه رغم الخلاف مع ايران لم يتم ترحيل احد من جاليتها".
وختمت الشاعر بوجوب "النظر الى لبنان كعمق استراتيجي للخليج، لوا يجب تركه في أحضان ايران كما حصل مع العراق، نحن نخيّر بين قرارين أيهما اقل ضراراً ".