لقد أصبحت المشاهد السياسية المتراكمة على الساحة اللبنانية حالة يصعب معها تحديد الإنتماءات الوطنية لبعض الفرقاء من اللبنانيين، وأوحت المشاهد والأحداث السياسية في البلاد بأن ثمة أزمة هوية يعيشها اللبناني بعدما أصبح الإنتماء للوطن في آخر الإهتمامات، وأصبح الحصول على رضى بعض الدول الأخرى غاية ومرتجي على حساب أمن الوطن واستقراره .
من الصعب جدا تصوير مشاهد الأمس في السفارة السعودية في سياقها كمشاهد حريصة على علاقات وطيدة مع المملكة السعودية بل إن الأمر تعدى ذلك إلى التفريط بالكرامة الوطنية والهوية الوطنية.
ولئن كان التضامن مع المملكة حق طبيعي لأي فريق إلا أن الأسلوب والطريقة كانت مهينة وعبثية، وتم تصوير لبنان من خلالها بلد التملق والتزلف والإرتهان الدائم لرغبات الدول الأخرى .
من حق المملكة السعودية أن تعبر عن امتعاضها من بعض المواقف السياسية لبعض الفرقاء اللبنانيين إلا أنه ليس من حقها إهانة البلاد والعباد تحت عناوين هي ليست موجودة أصلا عناوين التضامن العربي والشرف العربي وهبة المساعادات للجيش اللبناني، وثمة أساليب دبلوماسية وسياسية عدة يمكن أن تلجأ إليها المملكة للتعبير عن امتعاضها من بعض المواقف السياسية، إلا أن الطريقة والأسلوب الذي يجري التعامل به مع لبنان لا يقصد منه سوى الإذلال السياسي والاقتصادي .
وإن انقياد بعض الفرقاء السياسيين للزحف أمام أعتاب السفارة السعودية للإعتذار ونيل الرضا هو مشهد لم يكن في صالح السياسية اللبنانية ولم يكن على مستوى الجمهورية ولا على مستوى الوطن . ولئن أخطأ فريق ما بحق السعودية في نظر البعض فإن هذا الخطأ لا يبرر الإعتذار والتضامن بهذه الطريقة المهينة للبلاد والعباد والوطن والجمهورية . إن هذه المشاهد ربما تسقط في دول أخرى صفة الوطنية، وها هو اللبناني يسقط عنه هويته الوطنية للحصول على رضى الدول الأخرى .
إن ثقافة الإنتماء للوطن لم تعد موجودة في قواميس السياسيين وأصبح الإنتماء للأجنبي عنوان السياسة المحلية لدى مختلف الأفرقاء في لبنان، وبالتالي أصبحا الهوية اللبنانية في مهب الريح بين خيارات الإنتماء للملكة العربية السعودية أو الجمهورية الاسلامية الايرانية .
وإن حديث بعض السياسيين عن النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية وعن الاحداث الجارية في المنطقة هو كذب سياسي لأن طبيعة المواقف والمشاهد السياسية في البلاد تؤكد يوما بعد يوم توريط لبنان أكثر فأكثر في الصراعات الاقليمية وفي الاصطفافات السياسية الطارئة في المنطقة .