أعلنت لجنة تحقيق تقف وراءها الأمم المتحدة قبل أيام أن نظام الأسد وتنظيم «داعش» ارتكبا جرائم حرب منذ سنوات. 
هذا كان واضحا، ولكن الأمم المتحدة التمست الأعذار للنظام كما يبدو في أروقتها، فجرائم طبيب العيون لا يمكن مقارنتها بجرائم البغدادي، الذي يزعم أنه خليفة المسلمين، كي تتيح للنظام مزيدا من الولوغ بدماء شعبه، وحتى تتأصل أكثر وأكثر العداوات المذهبية وتترسخ على المدى الطويل في المنطقة العربية، لتبقى المنطقة ملعبا للقوى الدولية التي تقف وراء بعضها، إن لم يكن معظمها، توجيهات مباشرة أو غير مباشرة معادية للشعوب العربية وتهتم بأن تبقيهم في مستنقعات الاستبداد والتخلف، بعيدا عن قطار الحضارة وحقوق الإنسان وتعزيز قيمته، معنويا وماديا. 
في تقريرها هذا ساوت لجنة الأمم المتحدة بين عصابات «داعش» والنظام بارتكاب الجرائم، الأمر الذي يعني أن النظام تصرف كعصابة، أو أن العصابة تصرفت كالنظام! لم يسلم أحد من بطش النظام والميلشيات المساندة له من جنسيات مختلفة، ولا من سيده الروسي بغاراته على النسق الأمريكي في فيتنام بدون تمييز بين مسلح ومدني، وبين داعشي أو ديمقراطي، مثلما لم يميز «داعش» بين شبيح أو جندي تابع للنظام، وبين مواطن مسالم مختلف في عقيدته أو حتى في طريقة صلاته وصيامه، كلاهما إرهاب. 
وما دام كلاهما إرهابيين، وهما الطرفان الكبيران في المعادلة، إن لم يكونا الأكبر فإن وقف إطلاق النار يفترض أن يشمل الجميع، فعندما يتساوى المجرمان فالحكم يجوز على كليهما، علما بأن جرائم النظام أضعاف أضعاف جرائم «داعش»، نظرا لحجم تسلحه والدعم الذي تلقاه من إيران وحزب الله بالسلاح والرجال، ثم دخول روسيا مباشرة إلى جانبه، وما لا نعلمه من دعم من دول عربية وأجنبية. ولِمَ لا يشمل وقف إطلاق النار الجميع! هل جاء «داعش» و»جبهة النصرة» من المريخ! أليسا أبناء البيئة التي أنتجتهما، معظمهم سوريون وعراقيون أولا، ومن دول عربية تدعي محاربة الإرهاب وبضعة آلاف من دول أجنبية!
أليس «داعش» وشبيهاته، نتاج قمع طويل الأمد تمارسه ومارسته الأنظمة المستبدة المدعومة من دول تدعي محاربة الإرهاب! أم يريدوننا التصديق بأن «داعش» يتحدى ستين دولة! منها دول إقليمية على مستوى المنطقة، وأخرى على مستوى العالم! هل صار «داعش» الصين الشعبية مثلا! أم أنه ألمانيا الهتلرية في أيام عزها! 
وهل تريدوننا أن نصدق كذبات ردّدتموها بحق كل الثوار العرب، كما رددها من قبلكم ومعكم قادة الاحتلال الإسرائيلي بأن القوى المقاومة للظلم والقمع إنما تفعل ذلك لأجل الحوريات في الجنة وليس بسبب القهر والاستبداد! ولنفرض أن البحث عن الحوريات صحيح فما هي البيئة التي أنتجت أناسا يلقون بأنفسهم إلى التهلكة ويقتلون أرواحهم وأرواح الآخرين هربا من جحيم أرضي، بحثا عن عدالة في السماء! أليست هي بيئة القمع لكل رأي مخالف للنظام والسلطة والاحتلال، أليست البيئة القامعة لطموحات الشباب العربي، والقامعة لأحلامه! أليس التطرف هو الابن الشرعي للاستبداد والاحتلال! 
النظام لم يقمع المعارضة فقط، في الواقع قمع كل قوى الشعب السوري بمن في ذلك مؤيدوه ومنفذو سياسته، الذين يصدقونها أو الذين يمثلون بأنهم ضُللوا ولم يعرفوا ما يحصل بالضبط. تبلدت مشاعر مؤيديه، وباتوا جلادين لأبناء شعبهم، وهذا يشمل الطيارين الذين يلقون حممهم على المدنيين، فهم أيضا شبيحة، وهذا يشمل قادة الجيش المقموعين ممن هم أعلى منهم درجة، أو أقوى نفوذا، وإلا فالموت بتهمة الخيانة، كذلك أجهزة الأمن المختلفة والميليشيات التي أنشأها النظام، الذي مسح إنسانية ومشاعر هؤلاء، إما من خلال إرغامهم على ممارسة سياسته وتزيين استبداده لهم للناس، أو من خلال غسيل الأدمغة وتخييرهم، إما معنا أو ضدنا، فمن يرفض تنفيذ سياسة النظام يجد نفسه في خانة الدواعش، حتى لو كان مسيحيا أو درزيا أو مسلما علمانيا أو حتى ملحدا، مثل ذلك المسيحي في رواية «القوقعة» لمصطفى خليفة الذي يجد نفسه سجينا في مسلخ بشري بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين لمدة اثني عشر عاما. 
الناس في مناطق سيطرة النظام باتوا يرتعبون من التفوه بكلمة واحدة ضد النظام، أو أحد رموزه، وعلى رأسهم الرئيس أو أحد أبناء أسرته أو أنسبائه أو حزبه أو كرسيه، وهذا قبل الثورة، فقد أحاط نفسه بصفة الألوهية! إذن ما الفرق بينه وبين «داعش»! أليس كلاهما إرهابا! 
إنه إذلال لشعب بأكلمه، سواء كان في المعارضة المستهدفة أو القوى القامعة المغسولة الأدمغة منذ الحضانة إلى الجامعة والجيش، والتي يتحول الإنسان خلالها إلى ماكنة تهتف للنظام وتدافع عنه بغيبوبة فكرية ترى وتسمع العالم وتفسره كما يشاء لها النظام، تماما كما هي الداعشية التي ترفض أي تصور آخر غير تصورها للكون والحياة ونظام الحكم. 
يجتمع العالم الآن لمحاربة «داعش» الإرهابي فأين هم محاربو النظام السوري؟ وأين العقوبات ضده ما دام أنه مدان بارتكاب جرائم حرب مثل تلك التي يمارسها «داعش» بل ويرتكب أضعافها! وإذا كان هناك من يعقد صفقات شراء وبيع أسلحة وبترول وتبادل أسرى ورهائن مع «داعش»، فما المشكلة بالتفاوض معه ومع النصرة لوقف القتال وحقن دماء السوريين والعرب! المشكلة هي أن النوايا سيئة، وسوف يستمرون بهذه المقتلة ويغذّونها بحجة محاربة الإرهاب، وسنرى الكثير من خلط الأوراق كما عودنا النظام وحلفاؤه العلنيون والسرّيون طيلة السنوات الخمس الماضية التي أكلت الأخضر واليابس ولما يشبعوا بعد.

  المصدر: القدس العربي