ليس في القرار السعودي وقف تمويل تسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي ما يفاجئ أحداً، وخصوصاً بعد الحملة الشرسة وخطب التحدي والتشويه التي تطاول المملكة منذ زمن، وقد زادت شراسة بعد قيام "عاصفة الحزم" دعماً للشرعية اليمنية وإسقاطاً لسعي ايران الى إحكام كماشة على منطقة الخليج من مضيق هرمز جنوباً الى باب المندب شمالاً .
مع فشل ايران والحوثيين في اليمن، ونزول الروس في سوريا على طريقة الأمر لي ما قد ينسف رغبة طهران المعلنة في جعل سوريا الولاية الايرانية رقم 35 ، زاد التهجّم على حكّام المملكة وبطريقة شخصية، ربما ليكون لبنان تعويضاً لليمن وسوريا؟
ثم جاء موقف الخارجية النأي بالنفس عن إدانة احراق السفارة السعودية شذوذاً عن الاجماع العربي ومزايدة رخيصة حيال عملية لم يتردد حتى علي خامنئي في إدانتها، بينما استمرت ديبلوماسية العمى والتقصير في بيروت، فلم تصدر الخارجية ولو بياناً إستلحاقياً يحاول اصلاح ما بدا انه انتزاع للبنان من عروبته !
كل هذا الإفتئات المزمن على السعودية لم يكن خافياً، ولا ارتفاع حدة العتب والامتعاض على الاقل على المستوى الاعلامي السعودي والخليجي. وعلى رغم سعة صدر السعودية وتغاضيها عن الاتهامات والإساءات منذ اعوام، استمرت الشتائم والإساءات. ومع تكرار المسؤولين الايرانيين القول إنهم باتوا يسيطرون على بيروت وإن حدودهم الغربية تمتد الى شواطىء لبنان، لم يكن هناك لا حكومة ولا وزارة خارجية، ولم يصدر بيان استنكار أو رفض أو نفي أو غضب.
هذا التراكم كان واضحاً وتجاوز حدود الصبر ليس في السعودية وحدها بل في دول الخليج، حيث يعمل أكثر من نصف مليون لبناني، وحيث كانت الاسرة الخليجية دائماً السبّاقة في دعم لبنان بعد كل عدوان اسرائيلي، ولهذا لم يكن مفاجئاً تبني دول الخليج فوراً القرار السعودي .
وكما حاول البعض سابقاً التشكيك في منحة المليارات الاربعة، يحاول الآن القول إنها حاجة السعودية الى السلاح في حربها في اليمن، على رغم انها مثلاً تقدم لمصر ستين ملياراً. لكن المسألة على المستوى الرسمي لا تعالج بإصدار البيانات والاستنكارات الكلامية، بل بإصلاح السياسات وتحمل مسؤولية تبعات عروبة لبنان وهويته المستقلة وسيادته، في هذه المرحلة الحاسمة .
وعندما تظهر مقالات غاضية في الخليج تقول ان "لبنان أصبح مستعمرة ايرانية" بعدما سبقتها دعوات الى التكشير عن الانياب وطرد اللبنانيين، واشارات الى وقف الإستثمارات ومنع الخليجيين من المجيء الى لبنان، لا تكفي البيانات الإنشائية، ومن الواضح ان رياح "عاصفة الحزم" التي وصلت إلينا لا تريد ان تعاقب اللبنانيين، بل ان تبقي لبنان بلداً عربياً منفتحاً على ايران ولكن ليس مستعمرة لها .