فجأة ومن دون سابق انذار انقضّت السياسة والديبلوماسية السعودية على لبنان مع ان السعودية لها سياسة حكيمة هادئة لا تنفعل كيفما كان، فطلبت من لبنان ان يسحب حزب الله من سوريا وهي تعرف ان هذا ليس بقدرة الحكومة اللبنانية ولا قدرة أي فريق في الساحة اللبنانية. ثانيا، أوقفت الهبة العسكرية الى لبنان، مع ان الناطق باسم وزارة الدفاع الفرنسية قال لم نتلق أي طلب بوقف او تجميد صناعة الأسلحة، بل نحن مستمرون في تصنيع الأسلحة التي جاء الى باريس وفد من ضباط الجيش اللبناني وحددوا مواصفاتها وهي تصلح للجبال وللطقس البارد والمتوسط ولا تصلح للصحراء السعودية.
كما ان صواريخ ميسترال لا تفيد السعودية بشيء بوجود صواريخ باتريوت لديها، بل تفيد لبنان لانها تصل الى ارتفاع 30 الف قدم وهي ليست فعالة ضد السلاح الجوي للعدو الإسرائيلي، لكنها الى حد ما تحمي مراكز الجيش اللبناني ضمن حدود معينة وتحمي البنية التحتية للبنان، والتهديد بإيقاف الرحلات الجوية السعودية الى لبنان والطلب من الرعايا السعوديين مغادرة لبنان، وما جرى من اخبار عن رفض زيارة الرئيس تمام سلام الى السعودية هو امر سيصل الى هز الاستقرار في لبنان، ونحن عانينا الكثير من صراعات مذهبية وطائفية فاذا بالضغط السعودي سيشعل فتنة سنية - شيعية في لبنان نحن بامس الحاجة للابتعاد عنها وعدم حصولها في لبنان.
على كل حال الحمد لله ليس لدى أي طرف شيعي او سني مصلحة في إشتباكات ميدانية او عسكرية على الساحة اللبنانية، كما ان الجيش اللبناني قادر على ضبط الوضع اذا انفجر في أي منطقة لان لديه القدرات العسكرية على ذلك. لكن مع ذلك فان الضغط السعودي لا يجب ان يستمر بهذا الشكل على لبنان وتُوجه اليه مطالب مستحيلة، لان الامر ليس جديدا، بل ان حزب الله عمره 25 سنة واكثر، وهو متواجد بأسلحته في الجنوب وقاتل حتى حرر الجنوب اللبناني، ثم قاتل سنة 2006 إسرائيل وردعها وكان ذلك بسلاح إيراني يرتكز على الصواريخ الفاتح والزلزال وهي صواريخ كلها إيرانية وصلت الى يد حزب الله من ايران.
ويومها لم تتحدث السعودية عن شيء ضد إنجازات حزب الله، بل أرسلت 800 مليون دولار مساعدة لو لم يحتجزها الرئيس فؤاد السنيورة ويصرفها عبر هيئة الإغاثة ورفض إدخالها الى الميزانية اللبنانية، لكان الاعمار بالاموال السعودية ذا مفعول كبير بدل ان يصرفها الرئيس فؤاد السنيورة كما يريد تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري.
ثم ان السعودية اذا كانت قد وعدت الرئيس سعد الحريري بتأييد الوزير سليمان فرنجية وضرورة التزام حزب الله والعماد ميشال عون بذلك، فان الساحة اللبنانية معتادة على الصراعات لرئاسة الجمهورية وتأليف الحكومة وتمديد الانتخابات النيابية وهذه ليست ازمة حكومية بل حصل فراغ رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود كذلك بقينا من دون حكومة مدة سنتين. اما بالنسبة الى مجلس النواب فقد مدد لنفسه اربع سنوات مع ان هذا التمديد لم يكن له لزوم وكنا بحاجة الى انتخابات نيابية جديدة تقدم وجوهاً جديدة الى المجلس النيابي على قاعدة قانون انتخابات كي تأتي وجوه جديدة وتصل الى السلطة التشريعية فيتغير نهج السلطة ويخف الفساد واللامسؤولية والإهمال في الدولة اللبنانية كما يحصل حاليا واكبر دليل موضوع النفايات حيث يتم رمي كل يوم 3 الاف طن من النفايات، ومضى على الازمة حوالى السنة ولم تستطع الحكومة حل هذه الازمة، رغم انها ازمة بيئية كبرى تسبب امراضاً للبنانيين وتشوّه منظر لبنان الغني بطبيعته وبيئته وجباله وانهره، التي تتحوّل الى مكب نفايات.
ان السعودية تعرف تماما ان من مصلحتها ان تحافظ على الاستقرار في لبنان، والهجمة الديبلوماسية والسياسية والإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية ليست في مصلحتها، لان لبنان المستقل هو ضمانة للسعودية. اما مساعدة ايران لحزب الله فعمرها 20 سنة وليست جديدة، واذا كانت السعودية تعترض، فعليها الاعتراض على اميركا التي سلمت العراق لإيران، لإزالة الرئيس اياد العلاوي والمجيء بالرئيس نوري المالكي رئيسا للحكومة مع ان العلاوي كان يملك الأكثرية، ولو كان العراق قويا والعروبة تفعل فيه بقوة لكان ضمانة استقرار لسوريا وللبنان ولما كانت الموصل سقطت ولا محافظة نينوى سقطت في يد داعش.


على الديبلوماسية السعودية ان تتوقف عن الضغط واذا كانت تعتبر لبنان انه الابن المدلل لاميركا وأوروبا وتمارس هذا الضغط لترسل رسالة الى اميركا وأوروبا بانها قادرة على هز الاستقرار في لبنان وعلى أوروبا وأميركا الضغط من اجل سحب الإيرانيين من لبنان، فليس هنالك إيرانيون في لبنان الا عدد محدود جدا متواجد مع حزب الله لا يزيد عن 90 عنصرا. كما ان تضامن مجلس التعاون الخليجي مع السعودية وتخفيف البعثات الديبلوماسية لمجلس التعاون الخليجي في لبنان والطلب الى رعايا مجلس التعاون الخليجي عدم التوجه الى لبنان نهائيا هو امر سلبي للغاية يزيد من الازمة الاقتصادية في لبنان. والسؤال هو لماذا قطع العلاقات مع لبنان بهذا الشكل وتخفيف البعثات الديبلوماسية ومنع الرعايا الخليجيين من المجيء الى لبنان طالما ان الامن ممسوك في لبنان ولا تحصل عمليات خطف وكل يوم تقوم أجهزة مخابرات الجيش ومخابرات شعبة المعلومات ومخابرات الامن العام باعتقال إرهابيين ومنع داعش من التفجير هو وجبهة النصرة.
وأصبحت كل جريمة في لبنان يتم اكتشافها فورا واعتقال القاتل. كذلك ان لبنان فيه امن اكثر حتى من السعودية واكثر من دول أوروبية بالنسبة لهجمات الإرهابيين من داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وخاصة داعش، وطالما ان لبنان نجح في محاربة داعش وابعاد تفجيراته وعملياته عن الساحة اللبنانية فمن واجب السعودية دعم الجيش اللبناني لانه نجح في ذلك، وقام بحماية الحدود، ثم ليس من مسؤول لبناني زار سوريا لا وزير الخارجية ولا الداخلية ولا رئيس الحكومة ولا احد. كذلك عرضت ايران أسلحة على لبنان مجانا فلم يأخذها ورفض اخذ أسلحة من ايران، واتهام لبنان بأنه ولاية إيرانية وتابع لإيران ليس صحيحا، وهو تضخيم للامور من قبل السعودية لدور لبنان الإيراني مع ان الشعب اللبناني شعب عربي وله صداقة مع ايران، ضمن حدود الاحترام المشترك وضمن النديّة في العلاقة من الند الى الند.
اذا كان من امر يجب مراجعته فهو السياسة السعودية تجاه لبنان، ومراجعة اميركا بقيام توازن بين ايران والسعودية ومراجعة روسيا بقيام توازن بين ايران والسعودية وهنالك الحل الحقيقي في موسكو وواشنطن، اما في بيروت فكل ما نعمله هو إدارة الازمة ومحاولة حل المشاكل بالتي هي احسن، لأننا نعرف اننا مصابون بحروب منذ 30 سنة وحتى الان، وابتعد الشعب اللبناني عن الحروب والمواطن العادي يريد «السترة» وتأمين لقمة عيشه.
والرئيس سعد الحريري في عمله منذ ان جاء الى لبنان اشعل الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، مستغلا القرارات السعودية لاسباب سياسية تخصه، وهو سيتحول الى مجرم في حق لبنان اذا استمر بهذه السياسة المتطرفة ولم يذهب الى الاعتدال، فوالده الشهيد الرئيس رفيق الحريري كان رمزا للاعتدال حتى استشهاده، واستشهد وهو معتدل وغير متطرف.