بينما عواقب الديبلوماسية «العونية» الممعنة في سياسات سلخ لبنان عن جلدته العربية تتوالى فصولاً مع انضمام كل من الكويت وقطر إلى لائحة الدول التي تحظر على رعاياها زيارة الأراضي اللبنانية، تتواصل في المقابل الجهود الوطنية الحثيثة في سبيل رأب الشرخ الحاصل مع المملكة العربية السعودية وعموم دول الخليج بفعل مواقف وزير الخارجية جبران باسيل خصوصاً بعدما سعى إلى إجهاض بيان مجلس الوزراء الأخير المتمسك بالإجماع العربي من خلال إطلالة متلفزة جدّد فيها مواقفه المستفزّة للعرب. وعلى الأثر سارع رئيس الحكومة تمام سلام، بُعيد تحميله السفير السعودي علي عواض عسيري رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى إعادة التأكيد مساءً على كون «تصريحات وزير الخارجية تعبّر عنه ولا تمثّل الحكومة»، جازماً في معرض شكواه من «التمدّد» الإيراني على حساب السيادة الوطنية بأنّ «لبنان لم ولن يخرج يوماً عن الإجماع العربي». وفي الأثناء كانت تداعيات التطورات الأخيرة تنعكس بشكل جلي على طاولة حوار «تيار المستقبل» و«حزب الله» أمس في عين التينة حيث علمت «المستقبل« أنّ جولة الحوار الخامسة والعشرين انعقدت على مدى نصف ساعة فقط من دون أن تخرج بأي نتيجة. 

وأوضحت مصادر رفيعة في التيار لـ«المستقبل» أنّ اتصالاً كان قد جرى بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري قبل موعد انعقاد الحوار تقرّر خلاله تقليص وفدَي التيار والحزب واقتصار المشاركة على مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري ومعاون الأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، فانعقدت الجلسة بمشاركة الحريري والخليل وبحضور معاون بري الوزير علي حسن خليل، وخلصت إلى إصدار بيان مقتضب جداً اكتفى بعبارة واحدة: «جرى بحث الأوضاع الراهنة».

وكان الرئيس الحريري قد وضع أمس الإصبع على «المشكلة» الجوهرية التي يعانيها الوطن والكامنة في وجود «فرقاء يعتقدون أنفسهم أكبر من الدولة أكان «حزب الله» أم حلفاؤه»، مشدداً على وجوب «أن يفهم الحزب أنه ليس لوحده في البلد وأنه يعرّض لبنان وكل اللبنانيين في كل العالم العربي لمشاكل ومخاطر». وخلال استقباله وفداً موسعاً من رجال الدين ورؤساء البلديات والمخاتير والشخصيات من منطقة عكار، نبّه الحريري على أنّ المرحلة الراهنة «حساسة جداً»، وقال: «لسنا لقمة سائغة لأحد ومهمتنا إنقاذ البلد ونحن حريصون على حمايته من كل ما يهدده«. 

رسالة سلام 

تزامناً، برزت أمس زيارة السفير السعودي إلى السرايا الحكومية حيث التقى رئيس الحكومة وتلقى منه رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين لنقلها «نصاً وروحاً» إلى قيادة المملكة. وإذ وصفت مصادر واسعة الاطلاع اللقاء بـ«الجيد جداً»، أوضحت لـ«المستقبل» أنّه دام على مدى أكثر من ساعة وركّز على بحث مستجدات العلاقات اللبنانية السعودية بحيث عمد سلام إلى تسليم عسيري «رسالة شفهية معبّرة» متمنياً عليه نقلها بنصها وجوهرها إلى الملك سلمان، مع إبداء رئيس الحكومة في الوقت عينه أمله في نقل رغبته بزيارة المملكة على رأس وفد رسمي موسّع.

لمعالجة «شجاعة»

في الغضون، تواصل أمس تقاطر الوفود والشخصيات الوطنية المتضامنة إلى مقر السفارة السعودية في بيروت تأكيداً على عروبة لبنان وعلى عمق العلاقات الراسخة تاريخياً مع المملكة. وبينما برز إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ حل المشكلة الراهنة مع السعودية ودول الخليج يكمن في تقديم لبنان الرسمي «الاعتذار» عما بدر من مواقفه في مؤتمرَي القاهرة وجدة، أعرب السفير السعودي أمام الوفود عن أمله «أن تعالج هذه المشكلة بسرعة»، مضيفاً: «مطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذ ما يجب اتخاذه في هذا الشأن (...) هناك خطأ ارتُكب تجاه المملكة وأترك للمسؤولين اللبنانيين معالجة المشكلة». ولاحقاً، أوضح عسيري في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أنّ «ما ارتُكب من جهة معينة في هذه الحكومة، هو الذي أزعج المملكة وأزعج قيادتها، وبالتالي من المفروض أن يعالج هذا الأمر بحكمة وشجاعة».