لا عريضة الرئيس سعد الحريري، ولا بيان مجلس الوزراء، ولا الحج إلى السفارة في بيروت، جعلت نظام آل سعود يوقف سياسته العدوانية على لبنان. وبعد منع السعوديين من زيارة "بلاد الأرز"، هل يغطّي النظام قرار خفض الإنفاق الحكومي بطرد لبنانيين بذريعة معاقبة حزب الله؟
أدار النظام السعودي ظهره لكل المناشدات التي أطلقها فريقه السياسي في لبنان. لا بيان مجلس الوزراء نال رضاه، ولا موقف تيار المستقبل، ولا عريضة الرئيس سعد الحريري لقيت آذاناً صاغية في الرياض.
فبالتزامن مع بيان كتلة المستقبل التي استكملت حفلة «مناشدة» الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز «والمسؤولين في المملكة إعادة النظر بالموقف الذي اتخذ لناحية تجميد الهبات المخصصة لدعم وتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية»، أعلنت الرياض أنها طلبت «من جميع المواطنين السعوديين عدم السفر الى لبنان حرصاً على سلامتهم». وطلبت من «المواطنين المقيمين أو الزائرين للبنان المغادرة وعدم البقاء هناك إلا للضرورة القصوى، مع توخّي الحيطة والحذر والاتصال بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة». سريعاً، لحق نظام الإمارات بحكام السعودية، وزايد عليه. لم يطلب من الإماراتيين عدم السفر إلى لبنان، بل أصدر قراراً يمنعهم من ذلك. ولم يكتف بالطلب من الإماراتيين مغادرة الأراضي اللبنانية، بل قرر خفض أفراد بعثته الدبلوماسية إلى الحد الادنى. وبطبيعة الحال، سارع النظام البحريني إلى نسخ البيان السعودي، حرفياً. وجّه السعوديون صفعة إلى فريقهم اللبناني، وعلى رأسه الحريري، رغم أن الأخير قاد جوقة كبيرة من محاولي استرضاء النظام السعودي، بشتى الطرق. وفي مقابلهم، كان صمت شبه تام. فحزب الله، كعادته، ينتظر وصول الموجة إلى ذروتها. أما حلفاؤه، فهم إما صامت أو يعبّر عن مواقف تطالب بالحرص على مصالح السعودية وعلى العلاقات معها، باستثناء الوزير السابق وئام وهاب والعميد المتقاعد مصطفى حمدان. ورغم محاولة الحريري استدراج التيار الوطني الحر إلى مواجهة عبر تحميله مسؤولية «الإساءة إلى علاقات» لبنان بالدول الخليجية، فضلاً عن مهاجمته كما لو أن الوزير جبران باسيل اتخذ بنفسه قرار التراجع عن الهبتين السعوديتين للجيش اللبناني والاجهزة الامنية، فإن التيار انكفأ عن مواجهة تطال سهامها الرياض.
التيار الوطني الحر يطلب من مسؤوليه عدم مهاجمة السعودية والالتزام بموقف التكتل
لكن تيار المستقبل تابع هجومه على باسيل، مع أن موقف الأخير، وما صدر عن وزارة الخارجية خلال الشهرين الماضيين، تضمّن إدانة صريحة للهجومين على مقرّي البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في إيران، بخلاف بيان مجلس الوزراء أول من أمس الذي رحّب به الحريري وتياره وكتلته النيابية وحلفاؤه. وعلمت «الأخبار» أن مكتب العماد ميشال عون عمّم على مسؤولي التيار ونوابه ووزرائه ووسائل إعلامه عدم مهاجمة السعودية، وعدم الدخول في سجالات تؤدي إلى انتقاد قرارات الرياض وسياساتها، والالتزام بسقف المواقف التي يصدرها باسيل وتكتل التغيير والإصلاح. ومن هذا المنطلق، صدر بيان التكتل أمس، ليذكّر بمواقفه ومواقف باسيل السابقة، وليؤكد أنه «لا يمكن لأحد أن يزايد علينا في حرصنا على المملكة العربية السعودية ودول الخليج من منطلق أنها دول عربية شقيقة، وهذا الحرص هو بالتأكيد بمقدار حرص هذه الدول على لبنان المُقيم أو المنتشر في أرجاء هذه الدول، مهاراتٍ عاملة ورساميل ومشاريع». التيار إذاً يحاول حصر السجال في الداخل اللبناني، كونه يرى الهجوم على باسيل محاولة من تيار المستقبل وبعض قوى 14 آذار لـ»إحراق» ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.
المناشدات كما عدم مهاجمة السياسات السعودية لم يشفعا لأحد لدى النظام السعودي، الذي يبدو ماضياً في خطواته التصعيدية ضد اللبنانيين. ومن غير المستبعد أن يُقدم على طرد لبنانيين يعملون في الخليج، بذريعة «معاقبة» لبنان نتيجة مواقف حزب الله ودوره، ليغطي على الأزمة التي تعاني منها شركات كبرى عاملة في الجريزة العربية، وعلى رأسها شركة «سعودي أوجيه» المملوكة للحريري، والتي لم تدفع رواتب موظفيها (يصل عددهم إلى نحو 56 ألف موظف) منذ خمسة أشهر، بحسب ما نقل موقع «راديو فرنسا الدولي» عن موظفين فرنسيين في الشركة. وعلمت «الأخبار» أن تأخر النظام السعودي في دفع المستحقات المالية للشركات لا يشمل «سعودي أوجيه» وحدها، ولا يقتصر على الموظفين اللبنانيين، بل يتعداهم إلى شركات وجنسيات أخرى، بعدما قرر آل سعود خفض النفقات الحكومية في موازنة العام الجاري بنسبة تصل إلى نحو 14 في المئة. ويعني هذا الخفض تقليص دفع المستحقات لعدد من الشركات التي ستضطر إلى تقليص أعمالها التعاقدية مع حكومة الرياض، وبالتالي تقليص عدد موظفيها. ويريد آل سعود التغطية على هذا الامر بإلباسه لبوساً سياسياً، رغم أنهم قرروا أيضاً خفض الاموال التي يدفعونها للطلاب السعوديين الذين يتابعون دراساتهم الجامعية في الخارج، ضمن برنامج «الابتعاث»، وتحديد معايير جديدة لدفع أقساط الطلاب، بنية خفض الإنفاق على التعليم بنسبة 12 في المئة.
على صعيد آخر، دار سجال أمس بين الوزير المستقيل أشرف ريفي ووزير الداخلية نهاد المشنوق. فبعدما زار الاول السفير السعودي علي عواض العسيري، قال إنه سبق أن اتفق مع المشنوق، في اجتماع الرياض قبل أسابيع، على أن ينسحبا معاً من مجلس الوزراء، وأنه يجهل سبب عدم لحاق المشنوق به. وردّ الأخير على ريفي، قائلاً إن فكرة الانسحاب من مجلس الوزراء عُرِضَت أمام الرئيس الحريري، بحضور الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت وغيرهما، إلا أن الحريري أسقط هذه الفكرة، موجّهاً بعدم القيام بأي خطوة تحرج الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط.