يوم الإثنين 14 آذار عام 2005 كان نقطة انطلاق وفرصة تاريخية لبداية جديدة للبنان، عَرّفت عن نفسها بإسم «انتفاضة الاستقلال»، وسُمّيت في ما بعد «ثورة الأرز».
خلال الحراك أضاعت قوى 14 آذار «لحظة الزخم» (Momentum)، وبالتالي فرصتها التاريخية للتغيير، ووقفت بعد ذلك مكتوفة الأيدي أمام تتابع إفراغ زخمها الشعبي وانتصارها الانتخابي من مضمونه ومفاعيله، ثم بدأت تتراجع من موقع إلى آخر، في موقف الدفاع والضعف أمام هجمات قوى 8 آذار ومبادراتها.
أيضاً بدأت تتفكّك عُراها وتنسحب منها قوى وشخصيات مُؤسِّسة وأخرى حليفة، وصولاً إلى موقف تنازل تلو آخر، وموقف تخاذل يلي آخر، ثم تُوّج هذا كله بسابقة لا مثيل لها من قبل، وهي التنافس بين البعض من قوى 14 آذار على ترشيح رئيس للجمهورية من صفوف مناوئيهم!
ومن باب الإنصاف لا بد من الإشارة إلى سلسلة الاغتيالات التي طالت قادة ورموزاً من 14 آذار: سمير قصير، جورج حاوي، جبران تويني، بيار الجميّل، وليد عيدو، أنطوان غانم، فرانسوا الحاج، وسام عيد، وسام الحسن، ومحمد شطح.
بالمقابل امتصّت قوى 8 آذار صدمة يوم 14 آذار 2005، وعملت بصمت ودأب على تفريغه من مضمونه، يدعمها بذلك تفكير استراتيجي وتكتيكي ومخابرتي ساهمت فيه دولتان لهما باع كبير في «الحفر والتنزيل» هما إيران وسوريا، إضافة إلى وحدة في الرأي والقرار في هذه القوى، ناتجة عن هيمنة حزب مُنظَّم وفاعل على الأرض هو «حزب الله».
لطالما تغنّت قوى 14 آذار بحُرّية تحرّكها وديمقراطية قراراتها، وكونها ليست حزباً أو حركة واحدة، بل هي توافق وتضامن مجموعة من القوى ذات توجّهات وثوابت مشتركة، لكن واقع الأمر أنّه لا يُمكِن بهذا «الترف الديموقراطي» مواجهة خصم مناوئ ذي قرار واحد موحّد وهدف ثابت وعزيمة لا تلين.
المفجع أنّ إتمام مرحلةْ السَيطرة الداخلية لجهة إحلال «الدويلة» مكان الدولة، هو في فصوله الأخيرة. لقد تتابعت الخطوات من منطلق إعادة السيطرة «قضمة تليها قضمة، وشبر يليه شبر» فبدأت بالتهويل عبر «اليوم الأسود» في 7 أيار 2008، ومظاهرة القمصان السوداء، و«تفريخ» سرايا المقاومة في كل مكان، وفرض المشاركة في الحكومات والقدرة على تعطيل نصاب الجلسات الوزارية، وتعطيل عمل المؤسّسات الدستورية من المجلس الدستوري والمجلس النيابي، والتسبّب بالفراغ الرئاسي.. وإضعاف الاقتصاد الوطني عبر خلق اقتصاد رديف، وضرب الوسط التجاري لمدينة بيروت، وتشجيع المنافسة غير المشروعة عبر تسهيل عمليات التهريب للبعض.
كذلك بدأت مرحلة عزل لبنان عن الخارج عبر التسبّب بقطع علاقاته مع أشقائه العرب واستعدائهم ضدّه دولة ومواطنين، وعبر التحريض على حصاره من قِبل الدول الأجنبية باعتباره دولة مارقة لا تلتزم بالقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، بل وتُساند الإرهاب العالمي وتؤويه وتُحرّكه!
ماذا فعل أولي الأمر فينا «من جماعتنا» خلال هذا كله .. وماذا سيفعلون؟
نقول لهم وفيهم: حسبنا الله ونعم الوكيل.