استفاق لبنان الرسمي أمس من كبوته التي أوقعته بها ديبلوماسية «الخارجية» والاغتراب عن جذوره العربية المتأصلّة في النصوص والنفوس والراسخة عميقاً في صلب الانتماء العروبي للوطن، فتداعى أمس عبر اجتماع طارئ لمجلس الوزراء إلى تجديد التمسك بالهوية العربية وبالإجماع العربي تبديداً لأي لُبس أو سوء تقدير ناتج عن موقف «النأي بالنفس» المُتخذ من قِبل الوزير جبران باسيل في كل من مؤتمري القاهرة العربي وجدّة الإسلامي. وإذ أكد المجلس باسم كل لبنان أنّه «لن ينسى المملكة» ودعمها التاريخي له، شدد في الوقت عينه على ضرورة «إزالة أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة»، متمنياً على رئيس الحكومة تمام سلام «إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لهذه الغاية». وبالتزامن، بادر الرئيس سعد الحريري إلى تنظيم لقاء «الوفاء للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي» في بيت الوسط حيث دافع عن عروبة لبنان بوصفها «هويتنا وقدرنا ومصيرنا»، مطلقاً في ختام اللقاء «وثيقة التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة، لتكون مدخلاً نحو تصحيح دور لبنان وحماية انتمائه العربي».
الحريري، وفي كلمة ألقاها للمناسبة واستهلها بالتشديد على كون «الوفاء للمملكة يعني الوفاء للبنان»، نبّه إلى أنّ «خروج الديبلوماسية اللبنانية عن الإجماع العربي خطيئة، وخروج البعض عن حدود الأخلاق والمصلحة الوطنية في مخاطبة الدول الشقيقة جريمة سياسية بحق الدولة ومصالح اللبنانيين»، وجزم في المقابل بأنّ «أحداً لن يتمكن من إلغاء عروبة لبنان» وبأنّ مؤسسات الدولة «ليست محميات للسياسات الإيرانية في المنطقة»، متوجهاً إلى القيادة السعودية وقادة الخليج العربي بالقول: «إن الأصوات الشاذة التي تتهجم عليكم لا تنطق باسم لبنان ولا تمثل اللبنانيين، هي أصوات من انقلب على العروبة ومن خرج على الإجماع الوطني ولن نعطيها فرصة الاستيلاء على الجمهورية اللبنانية مهما بلغت التحديات».
وبعد أن ناشد باسم اللبنانيين الشرفاء والأحرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه»، دعا الحريري كل اللبنانيين المقيمين والمغتربين من كل المناطق والطوائف إلى التوقيع على وثيقة «التضامن مع الإجماع العربي والوفاء للدول العربية الشقيقة» وكان أول الموقعين على نصها الذي يؤكد في أبرز نقاطه على «التزام لبنان، شعباً ودولة، موجبات الإجماع العربي ورفض الحملات المشوهة لصورته والمسيئة لعلاقاته الأخوية مع المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية».
ومساءً، زار الحريري الرئيس ميشال سليمان في منزله في اليرزة حيث ذكّر، قبيل مشاركته في مأدبة العشاء التي أقامها سليمان على شرف عدد من القيادات والشخصيات الوطنية، بأنّ المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد مردّها بشكل أساس الى عدم وجود رئيس للجمهورية بما يحول دون انتظام الحياة الدستورية والمؤسساتية في الدولة، مشيداً في الوقت عينه بالجهد الكبير الذي بذله رئيس الحكومة خلال جلسة مجلس الوزراء أمس. وكذلك شدد سليمان على أنّ «الإرباك الحاصل في السياسة الخارجية عائد أساساً لعدم وجود رئيس جمهورية»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «الهبة السعودية ستعود عاجلاً أم آجلاً وتُمنح للجيش».
مجلس الوزراء
بالعودة إلى الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء، فقد تلا رئيس المجلس بياناً صادراً «بإجماع أعضائه» توكيداً على أنه «انطلاقاً من نص الدستور القائل إن لبنان عربي الهوية والانتماء، وعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، وانطلاقاً من العلاقات الأخوية التاريخية التي تربطه بالأخوة العرب ومن الحرص على المصلحة العليا للجمهورية اللبنانية بما يصون الوحدة الوطنية اللبنانية، فإننا نؤكد وقوفنا الدائم الى جانب إخواننا العرب، وتمسكنا بالإجماع العربي في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائماً». وبعد الانتهاء من تلاوة نص البيان جدد سلام رداً على أسئلة الصحافيين موقف لبنان الدائم في إبداء «أشد الإدانة والاستنكار» للاعتداءات التي تعرضت لها البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ «نقاشاً ماراتونياً سُجل خلال الجلسة بعدما استهلها رئيس الحكومة بطرح مشروع مسودة بيان إزاء المستجدات التي حصلت على مستوى العلاقة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية»، مشيرةً إلى أنّ «وزيري «حزب الله» سرعان ما حاولا ربط الموضوع بأبعاد إقليمية متصلة بالحرب في سوريا واليمن غير أنّ عدداً من الوزراء قطعوا الطريق على هذه المحاولة من بينهم الوزير نبيل دي فريج الذي سأل: «شو خصنا بالحرب اليمنية والسورية؟ مجلس الوزراء هو مجلس لبناني يجتمع للبحث في مصالح اللبنانيين وللدفاع عن مصالح لبنان وعلاقاته مع العرب».
وإثر انقضاء ساعات من النقاش تخللتها حلقات جانبية من المشاورات والاتصالات على أكثر من خط شملت تواصل الوزير علي حسن خليل بشكل مستمر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزراء «المستقبل» مع الرئيس الحريري، ووزيري «حزب الله» مع قيادة الحزب، تم التوصل إلى صيغة البيان الصادر بإجماع أعضاء الحكومة بعدما تم تذليل مختلف العقبات السياسية سيما منها المتصلة بمحاولة «حزب الله» الالتفاف على فقرة التمسك بالإجماع العربي وإضعاف مضمونها تحت ذريعة حماية «الوحدة الوطنية».
السعودية تتبنى.. وفرنسا تتوسط
وكان مجلس الوزراء السعودي قد تبنى خلال اجتماعه أمس برئاسة الملك سلمان مضمون الموقف الصادر عن «المصدر المسؤول» بشأن وقف المساعدات العسكرية والأمنية للبنان، مع إشارة المجلس إلى أنّ «المملكة التي عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، تؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته».
وبالتزامن، برز أمس إعلان الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال أنّ «البرنامج الذي موّلته السعودية (هبة الثلاثة مليارات دولار) هدفه المساهمة في تجهيز القوى العسكرية اللبنانية للتمكن من حماية البلد بكل استقلالية»، لافتاً في هذا السياق إلى أنّ «باريس تتابع حوارها مع السلطات السعودية واللبنانية للتوصل إلى هذا الهدف ولوقف تجميد الهبة السعودية».
المستقبل : الحريري يدافع عن عروبة «الهوية والمصير» ويطلق وثيقة «التضامن والوفاء»
المستقبل : الحريري يدافع عن عروبة «الهوية والمصير» ويطلق...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
291
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro