اذا كانت عبارة "تمسكنا بالاجماع العربي في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائما" استلزمت سبع ساعات من العصف الفكري والمناورات الكلامية وشد الحبال في الجلسة الماراتونية الاستثنائية لمجلس الوزراء، فلا موجب تالياً للتساؤل عن اطلاق "المشاغبة" المبكرة التي تلت الجلسة بعد أقل من نصف ساعة من ارفضاضها واعلان مقرراتها. لكن الهم الأساسي الذي شغل الرسميين والمعنيين بعد التسوية التي آلت اليها الجلسة يتمثل في ما اذا كانت عملية التصويب القيصرية للموقف اللبناني الرسمي ستجدي نفعاً وتحدث أثراً فعالاً في اعادة احتواء الغضبة الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً واطلاق اجراءات اعادة بناء الثقة في العلاقات اللبنانية – السعودية التي تعتبر مفتاح التنقية في علاقات لبنان مع سائر دول الخليج العربي. ويبدو من المعطيات الأولية المتوافرة ان نسائم ايجابية قد تكون الجلسة فتحت الباب أمام نفاذها الى هذه الأزمة وهو ما ستظهره الجهود التي سيتولاها رئيس الوزراء تمّام سلام في المرحلة المقبلة.
تداعيات عاصفة الاجراءات السعودية حيال لبنان اتخذت أمس منحى شديد الحساسية وسط صورتي مجلس الوزراء السعودي الذي أكد الاجراءات التي اعلنت قبل أيام بوقف المساعدات للجيش وقوى الأمن الداخلي "في ظل مصادرة ما يسمى "حزب الله" اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي"، ومجلس الوزراء اللبناني الذي انعقد لاصدار موقف يصوب الخلل. لكن مجلس الوزراء السعودي قرن موقفه بتأكيده "وقوف المملكة إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكل طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق"
وقدّر المجلس "المواقف التي صدرت من بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بمن فيهم دولة رئيس الوزراء السيد تمام سلام، وعبّروا من خلالها عن تضامنهم مع المملكة". وبدا هذا الموقف السعودي بمثابة حافز اضافي للحكومة ورئيسها للخروج بالموقف الأكثر تعبيراً عن تمسك لبنان بالاجماع العربي وبالعلاقات الراسخة مع السعودية فتحولت الجلسة حلبة لاحدى أطول المماحكات الصعبة لدى مناقشة مسودة مشروع البيان المطروح.
بين بيروت والرياض
وقد علمت "النهار" ان البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء بالاجماع حظي برضى السعودية مما يؤشر حسب مصادر وزارية لبدء مرحلة طيّ الازمة التي بدأت بقرار الرياض وقف تنفيذ هبتيّ الثلاثة مليارت دولار للجيش والمليار دولار للجيش والقوى الامنية.وقالت هذه المصادر أن قرار مجلس الوزراء ما كان ليصدر لو لم يضمن الرئيس سلام أنه سيلقى قبولاً سعودياً. وأوضحت أن الممهدات للجلسة دلّت على أن أياً من مكونات الحكومة لا يريد التصعيد بدليل ما صدر عن إجتماع 14 آذار مساء أول من أمس في "بيت الوسط" والدعوة الى عقد جلسة الحكومة التي ما كانت لتوجّه الى إنعقادها لو لم يتم التاكد من ضمان نتائجها. وأفادت أن أجواء الجلسة كانت هادئة ولو شهدت مماحكات وأدلى كل طرف برأيه تحت سقف صدور قرار بالاجماع مما عكس وجود قرار كبير بعدم إسقاط الحكومة لإن لا إمكان لإجراء إنتخابات رئاسية قريباً. وأشارت الى أن إتصالات خارجية واسعة جرت مع بيروت والرياض هدفت الى تبيان واقع لبنان مع التأكيد أن هناك 17 مكوّنا لبنانياً ولا يمكن التعامل معها إنطلاقاً من مواقف مكوّن واحد لا يمثل في الأساس الفئة المذهبية التي ينتمي اليها. وأوضحت ان هذه المناخات يجب ترجمتها في رحلة الرئيس سلام الى الرياض وعدد من العواصم الخليجية والتي يريد رئيس الوزراء أن تكون مضمونة النتائج قبل القيام بها. وقالت ان من نتائج جلسة مجلس الوزراء تراجع الرئيس سعد الحريري عن إتخاذ موقف متشدد من الحكومة بعدما صدر القرار الذي صدر عنها.
وثيقة الحريري
لكن الحريري مضى في خطوة أخرى اتخذت دلالات باطلاقه من "بيت الوسط" عقب الجلسة ووسط حضور سياسي كثيف "وثيقة الوفاء للمملكة العربية السعودية والتضامن مع الاجماع العربي"، مناشداً العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز "عدم التخلي عن لبنان والاستمرار في دعمه واحتضانه".
وعلمت "النهار" ان وفوداً من اتجاهات مختلفة ستزور السفارة السعودية اليوم تعبيراً عن التضامن مع المملكة.
القرار
وفي وقائع الجلسة الطويلة أن الرئيس سلام أعد مسودة القرار التي خضعت للمراجعة التي تولتها لجنة صياغة ضمت الوزراء: علي حسن خليل وحسين الحاج حسن ووائل ابو فاعور. وشهدت مرحلة الصياغة مداخلة لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قارب عبارة "الاجماع العربي" بطريقة جرى تعديلها في القرار النهائي. وحين رأى المشنوق ان ثمة اتجاهاً الى اعطاء حق "الفيتو " على تعابير معينة انسحب من الجلسة معترضاً وتدخل الرئيس سلام كما علم ان الرئيس الحريري تدخل بدوره عبر اتصالات وحصل تعديل في الصيغة وافق عليه المشنوق وعاد الى الجلسة.
وشهدت الجلسة سلسلة مداخلات إفتتحها الرئيس سلام بالتشديد على العلاقات مع السعودية والاجماع العربي.ثم كانت مداخلة للوزير الحاج حسن قال فيها إنه صار شخصياً في حاجة الى تأشيرة دخول للوصول الى مجلس الوزراء ما دام "حزب الله" قد صنف "جالية إيرانية"، فجاء أكثر من توضيح أن هذا الامر الذي نسب الى النائب وليد جنبلاط نفى نفياً قاطعاً. وهاجم الحاج حسن سياسة السعودية في اليمن والبحرين. ثم تحدث وزير الاقتصاد ألان حكيم فعرض نصاً للرئيس الايراني حسن روحاني يندّد بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران. بعد ذلك قال وزير شؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج ان تحويلات المغتربين سنوياً تقارب سبعة مليارات ونصف مليار دولار منها ستة مليارات من الخليج. ودعا وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الى إعتماد اللغة التي يعتمدها فريقا "المستقبل" و"حزب الله" في الحوار الثنائي على رغم الاختلاف في وجهات النظر في ما بينهما. وحذّر الوزير نهاد المشنوق من تداعيات ما بعد قرار وقف الهبتيّن من السعودية. وخاطب الوزير ابو فاعور زميله الحاج حسن سائلاً عن موقف "حزب الله" من الأكثرية المضطهدة في سوريا إسوة بموقف الحزب من الأكثرية في البحريّن؟ وأبدى وزير الخارجية جبران باسيل عدم إعتراضه على صدور قرار يوضح ان لبنان لم يكن ضد التنديد بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار": "طالما صدر قرار مجلس الوزراء بإجماع الوزراء فإن أي موقف فردي لإي وزير يأتي من باب المزايدة، فكفى مزايدة على رئيس الحكومة".
كما صرّح الوزير درباس لـ"النهار": "ذهبنا الى مجلس الوزراء وكل منا يعلم في قرارة نفسه أن إتفاقا سيتم".
وعقب الجلسة عقد الوزير جبران باسيل مؤتمراً صحافياً حمل فيه على ما وصفه بـ"الصرخة السياسية المفتعلة التي تلت الاعلان السعودي وقف الهبة للبنان"، وبرر مواقفه "التي لم تحد عن البيان الوزاري". وسارع المكتب الاعلامي للرئيس سلام الى الرد على باسيل مؤكداً ان "أي خروج عن بيان مجلس الوزراء أمس هو من قبيل الاجتهاد الشخصي ولا يعبر عن موقف لبنان الرسمي".
في دارة سليمان
وعقد لقاء مساء في دارة الرئيس ميشال سليمان ضمه والرئيس الحريري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط ووزراء وشخصيات. واكد سليمان ان "الارباك في السياسة الخارجية عائد أساساً الى عدم وجود رئيس للجمهورية" وشدد على تحييد لبنان من خلال "اعلان بعبدا" وأشاد بالعلاقات القديمة مع السعودية "وعدم جواز خروج لبنان من ثيابه". وبدوره رأى الحريري في بيان مجلس الوزراء امس "أموراً ايجابية كثيرة" منوهاً بجهود الرئيس سلام. أما النائب جنبلاط فقال "لا نريد ان نكون مع محور ضد آخر، ونؤكد سياسة النأي بالنفس التي رسمها الرئيس سليمان".