طوال السنوات الماضية للحرب الأهلية السورية، انتهجت إسرائيل سياسة واحدة مفادها ان استمرار الحرب في سوريا بين نظام الأسد وقوى المعارضة وسفك الدماء من دون حسم أو رجحان كفة طرف على طرف آخر يخدم مصالح إسرائيل خدمة كبيرة من دون أن تضطر فعلاً لأن تفعل أي شيء. فالجيش السوري الذي كان يشكل أهم جيش نظامي عربي ضدها بعد انهيار الجيش العراقي خسر قواه ولم يعد يشكل خطراً، أما حزب الله أهم عدو للجيش الإسرائيلي فغارق منذ سنوات في مستنقع الحرب السورية ويدفع ثمن القتال غالياً من ارواح خيرة مقاتلية.
صحيح أن إسرائيل حرصت خلال الفترة الماضية على وضع "خطوط حمراء" واضحة ممنوع لأي طرف من الأطراف تجاوزها مثل شن هجمات عليها او تهريب سلاح متطور كاسر للتوازن من سوريا الى "حزب الله"، لكن باستثناء ذلك، فإن استمرار حمام الدم في سوريا كان من مصلحة إسرائيل، وهي لم تقلق مثلاً من وقوع نحو 90% من أراضي هضبة الجولان السورية في قبضة قوى المعارضة السورية طالما أن هذه لم تسمح لتنظيم "داعش" التمركز بالقرب من الحدود واحتمال قيامه بشن هجمات ضد إسرائيل. وحتى عندما تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا في الخريف الماضي، نجحت إسرائيل في التوصل الى تفاهم وتنسيق مع الروس بشأن مصالحها وبدا أن الاتفاق بين الطرفين يراعي مصالح الطرفين.
لكن التغيرات المتسارعة للمعارك في الشهر الأخير، والدعم الجوي الروسي الكثيف للجيش السوري والميليشيات الشيعية المتحالفة معه، والانجازات العسكرية التي استطاع تحالف نظام الأسد- إيران- "حزب الله" تحقيقها والتي تجلت بصورة خاصة في استكمال حصار حلب، والاعداد لاستعادة إدلب ومهاجمة درعا؛ كل ذلك دفع الإسرائيليين الى اعادة التفكير بسياستهم تجاه سوريا وتغييرها والتفكير بأن انتصار الأسد وحلفائه في سوريا أخطر على إسرائيل من "داعش".
توجهات جديدة: دعم قوة ثالثة
ما هو التوجه الجديد الذي تعتزم إسرائيل انتهاجه حيال ما يحدث في سوريا؟ جواباً على هذا السؤال كتب المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل: "في مواجهة هذه التطورات تقوم إسرائيل بتحديث مواقفها. لا يجري الحديث عن ذلك علناً كي لا نغضب الأميركيين مجدداً (ولأن القدس تنتقد موقفهم المتردد) أو الروس( الذين ترغب القدس في مواصلة المحافظة على علاقات معقولة معهم). لكن على الرغم من ذلك تمكن الاشارة إلى ثلاث رؤى أساسية: الأولى- انتصار الأسد سيكون أمراً سيئاً بالنسبة لإسرائيل، لأن معنى هذا نجاح حلفائه إيران وحزب الله؛ ثانياً- أن الموضوع لم يحسم بعد، لأنه على الرغم من القصف الروسي والخلافات داخل صفوف المعارضة السورية فإنها ما تزال بعيدة عن الاستسلام؛ ثالثاُ- يجب على الغرب أن يستيقظ من خموده وأن يحاول تقديم المساعدة العسكرية الحقيقية لمَن تعتبره المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نوعاً من قوة ثالثة، تنظيمات من متمردين سنة أقل تطرفاً وميليشيات كردية، كي يقف هؤلاء في مواجهة النظام وضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
يستبعد المعلق خطوات عسكرية تقدم عليها إسرائيل، لكنه يقدر بأن الوقت لم يفت للقيام بشيء من شأنه تغيير مسار الأحداث التي تميل حالياً لصالح نظام الأسد، ويستبعد استناداً الى تقديرات استخباراتية أن يكون ما حدث في الفترة الأخيرة يعني انتصار الأسد أو استسلام قوى المعارضة.
المعلق العسكري في "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي كتب هو بدوره عن التغير في التوجهات الإسرائيلية من الحرب السورية. ورأى ان انتصار الأسد معناه صعود نفوذ إيران وترسيخ موقعها في المنطقة، وأن هذا الانتصار سينضاف الى الانجاز الكبير الذي حققته إيران من خلال توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى ورفع العقوبات عنها. كل ذلك سيضاعف في رأيه من الخطر المحتمل لإيران على إسرائيل، وفي حال استرجع نظام الأسد السيطرة على هضبة الجولان، فإن هذا سيجعل إسرائيل على تماس مباشر مع "حزب الله" وقوات حرس الثورة الإيراني في هضبة الجولان.
لا يتوقع يشاي أن تبادر الولايات المتحدة خلال ما تبقى من ولاية أوباما الى خطوة تدعم فيها قوى المعارضة المعتدلة، ولا خلال الستة أشهر الأولى للرئيس الجديد الذي سيحل محله. ويعتقد ان المطلوب سياسة إسرائيلية مختلفة حيال ما يجري في سوريا لا تدخل إسرائيل في مواجهة مع الروس ولا تغضب الأميركيين.