تقف إيران على أعتاب استحقاقين مهمين خلال الشهر الجاري: انتخابات «مجلس الخبراء» وانتخابات البرلمان، اللذان يجريان في يوم واحد هو السادس والعشرين من شباط 2016. ستؤثر النتيجة بعمق على مستقبل إيران خلال العقد المقبل، لأنها ستقرر صورة النظام السياسي الإيراني وتوازناته المرتقبة. من المحتمل أن يختار «مجلس الخبراء» المقبل أثناء فترة ولايته البالغة ثماني سنوات خليفة للمرشد الحالي السيد علي خامنئي (76 عاماً)، وستظهر انتخابات البرلمان موازين القوى الجديدة بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والغرب، ومؤشرها الرئيس عدد المقاعد التي سيحصل عليها تحالف الإصلاحيين والمعتدلين في البرلمان الجديد. على ذلك تتناول السطور التالية المعركة الانتخابية للبرلمان، والتي تشهد منافسة من نوع ما على النتيجة، على العكس من انتخابات «مجلس الخبراء» المحسومة سلفا لمصلحة المحافظين. وكان «مجلس صيانة الدستور» المناط به تصفية وفرز المرشحين، الذي يهيمن عليه المحافظون، أقرَّ ترشح 6229 مرشحاً من أصل 12123 مرشحاً. الجدير بالذكر أن عدد مقاعد البرلمان يبلغ 290 مقعداً.
معركة غير متكافئة
يقف سبعون مرشحاً إصلاحياً في مواجهة ثلاثة آلاف مرشح أصولي، بحسب ما أفادت وكالة أنباء العمال الإيرانية، في حين يصعب تصنيف باقي العدد من المرشحين المجازين في هذا المعسكر أو ذاك. ويعني العدد القليل المجاز للترشح إلى انتخابات البرلمان من الإصلاحيين والمعتدلين، أن إيران لن تشهد برلماناً إصلاحياً كما رغب كثيرون داخل إيران وخارجها، وأن الحد الأقصى للمعركة الانتخابية البرلمانية يتمثل في تكوين كتلة إصلاحية ـ معتدلة تساند توجهات الرئيس حسن روحاني وسياسات حكومته. وناشد الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني المرشحين الإصلاحيين المستبعدين أن يقوموا بالدعاية للمرشحين المجازين للترشح والأقل شهرة، حتى يستطيعوا الفوز في الانتخابات، مدللاً على ذلك بموقفه هو من تأييد حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية العام 2013 والتي استبعد رفسنجاني من خوضها بقرار من «مجلس صيانة الدستور». ونظرا لضآلة عدد المجازين لخوض انتخابات البرلمان من الإصلاحيين، فقد أفاد محمد رضا عارف، المسؤول عن التنسيق بين الإصلاحيين والمعتدلين في انتخابات برلمان 2016 والمرشح الرئاسي 2013 المنسحب لمصلحة روحاني، عن مفاجأة كبيرة مفادها وجود قائمة تضم الإصلاحيين والمعتدلين والأصوليين في آن معا. وفي رده على الانتقادات الإصلاحية لتشكيل مثل هذه القائمة، اعتبر عارف أن القائمة تسمى «تحالف الإصلاحيين ومؤيدي الحكومة»، وأن المرشحين الأصوليين على القائمة إنما يدعمون الحكومة. وبرغم التبريرات المختلفة، يبدو أن العدد الضئيل نسبيا للمرشحين الإصلاحيين المجازين سيحسم إلى حد كبير نتيجة انتخابات البرلمان قبل بدايتها، وإن ظلت الفرصة قائمة أمام الإصلاحيين لتكوين كتلة صلبة في البرلمان المقبل، على العكس من انتخابات «مجلس الخبــــراء» التي خسرها الإصلاحيون بالفعل قبل أن تبدأ (مصطفى اللباد ـ «السفير»: الصراع على مستقبل إيران.. الإصلاحيون يخسرون انتخابات «مجلس الخبراء» قبل بدايتها 15/2/2016).
روحاني والإصلاحيون
شاع عن الرئيس الإيراني حسن روحاني الانتماء إلى التيار الإصلاحي، نظرا إلى النفور الذي يبديه المحافظون من سياساته، لكن روحاني لم يكن إصلاحيا في يوم من الأيام، وإنما دولتياً وسطياً وليس أكثر من ذلك. صحيح أن الإصلاحيين دعموا روحاني خلال حملته الانتخابية 2013 وانسحب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف من السباق الرئاسي تأييدا لروحاني، وانبرى الرئيس الأسبق محمد خاتمي لتأييده، إلا أن تركيبة روحاني الشخصية والأيديولوجية لا تجعله إصلاحيا بحال من الأحوال. وعندما يتواجه روحاني مع المحافظين والأصوليين ويتحالف مع رفسنجاني في هذه المواجهة، فلا يكفي ذلك لدمغه إصلاحيا وذات الشيء ينطبق على رفسنجاني. وتعتقد رموز إصلاحية بارزة أن روحاني يتعامل معهم باعتبارهم «في جيبه»، إذ لا خيار حقيقياً لهم سوى تأييده أو القبول بهيمنة مطلقة للأصوليين والمحافظين. وكشف حسين دهباشي، الرمز الإصلاحي، أن آمال الإصلاحيين في توسيع حرية التعبير وتحسين الأداء الاقتصادي تحت حكم روحاني ذهبت أدراج الرياح، فباعتقاده لم يستطع روحاني الثبات في الدفاع عن توسيع حرية التعبير، ولا اجترح تحسينا في الأداء الاقتصادي كما يأملون. «روحاني يلقي خطابات رنانة، لكنه لا يفعل شيئاً لتغيير الواقع»، يقول الإصلاحيون ويردفون إنه من المحتمل جداً ان يصبح روحاني «رئيساً لفترة واحدة فقط»، في حال استكمل الأصوليون وغير الأصوليين هيمنتهم الشاملة على مؤسسات إيران التشريعية وصعد مرشح جمهوري إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية. في هذه الحالة سيتبدل تماماً الإطار الذي ترشح من خلاله روحاني إلى الرئاسة وربح انتخاباتها، ونجح في تخفيف الضغط على النظام الإيراني داخليا عبر إعطاء الأمل للإيرانيين وخارجياً عبر إقرار الاتفاق النووي مع الغرب عــموما وأوباما تحديداً. ربما سيتظهر الخلاف أكثر بين روحاني والإصلاحيين بعد الانتخابات، خصوصا أن فرص النجاح لا تبدو واعدة للإصلاحيين.
الخلاصة
نظرا للاستبعاد بالجملة من الترشح للانتخابات من طرف «مجلس صيانة الدستور» (أكثر من ثلاثة آلاف مرشح إصلاحي مستبعد) لا يبدو الإصلاحيون في وارد الفوز بانتخابات البرلمان، ولا يبدون حتى في وارد تشكيل كتلة ضاغطة كبيرة، وإنما بلورة كتلة ما في البرلمان بأحسن الأحوال. ستلعب عوامل متباينة دورها في الانتخابات مثل تصميم الشرائح الناخبة من الإصلاحيين على التوجه إلى صناديق الاقتراع وأداء كل من روحاني ورفسنجاني لحشد التأييد الإعلامي والمعنوي للمرشحين المعتدلين. باختصار، الآن وقبل استحقاق الانتخابات يوم الجمعة المقبل، يمكن القول إنه لا تغيير متوقع في موازين القوى داخل إيران لمصلحة الإصلاحيين والمعتدلين.