هزّة سياسية أصابت لبنان بالأمس مع اعلان المملكة العربية السعودية إيقاف مساعدتها الى الجيش اللبناني والقوى الأمنية. هزّة يخشى من تداعياتها وارتداداتها، لاسيما ان اولى القرارات شملت مليارات الهبة، وذلك رداً على مواقف لبنان التي لا تنسجم، بحسب مصدرسعودي مسؤول "مع العلاقات الأخوية بين البلدين"، ما دفع المملكة إلى إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع بلاد الأرز بما يتناسب مع مواقفه ويحمي مصالحها.
أولى القرارات شملت إيقاف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني من طريق الجمهورية الفرنسية، وقيمتها ثلاثة مليارات دولار أميركي، وإيقاف ما تبقى من مساعدة المملكة المقررة بمليار دولار أميركي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، ما يطرح تساؤلات عن الاجراءات الاتية وتأثيرها على لبنان.
موقف السعودية لقي تأييداً من دولة الامارات العربية،التي أعربت وزارة خارجيتها في بيان "عن دعمها بشكل كامل قرار المملكة العربية السعودية الشقيقة، بإيقاف المساعدات المقررة للجيش اللبناني وقوى الامن اللبنانية، داعية لبنان واللبنانيين في الوقت ذاته الى اعادة لبنان الى محيطه العربي، بعيدًا من التأثيرات الايرانية التي يتبناها ما يسمى بحزب الله". وكذلك كان موقف البحرين التي أكدت أن "هذا القرار جاء جراء المواقف الرسمية والمتكررة للبنان، التي تتناقض تماماً مع المصلحة العربية،وتشكل خرقًا للإجماع العربي، ولا تنسجم أبدًا مع ما تحظى به الجمهورية اللبنانية من دعم كبير من قبل المملكة العربية السعودية وجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، ليصدر بعدها موقف جامع عن مجلس التعاون الخليجي مؤيد لموقف المملكة.
قرار مضاد
أول الغيث مؤلم و"الآتي اعظم" بحسب تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق، فهل يمكن تدارك الاسوء لا سيما ان الحديث يدور عن ترحيل لبنانيين من دول الخليج. عن ذلك علق الكاتب والمحلل السياسي السعودي سعد بن عمر في اتصال مع"النهار" بالقول ان "المملكة العربية السعودية لم تأل جهداً في مساعدة لبنان شعباً وحكومة، ولكن عندما تفاجأت أن ما تقدمه يقابل بمواقف مناهضة، فهذا شيء لا يرضاه السياسي ولا المواطن على المستوى الشعبي، لذلك عندما فوجئت بمواقف سياسيين لبنانيين في مواقع المسؤولية، او باجراءات وقرارات اتخذوها ضد المملكة، اقلها ما حصل في مؤتمر الجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي، التي وايّ تكن تفسيراتها، فإنها واضحة أنها ضد المملكة وضد أمنها، واعتقد أن هذه القرارات اما غير مسؤولة أو متعمدة للاساءة إلى المملكة، لذلك فمن حق الأخيرة أن تتحفظ عما تقدمه من مساعدات من ميزانيتها لدولة القائمون على رأسها يناصبونها العداء".
"وخزة ابرة"
"القرار كوخز ابرة لمريض، واللبنانيون يعرفون جيداً من يقدم لهم مساعدات في اوقات الازمات" بحسب بن عمر الذي اضاف انه "على مدى الخمسين سنة الماضية، وقفتالمملكة الى جانب بلدهم وستقف الى جانبه، لكن هناكحاجة الى مراجعة السياسة مع المسؤولين اللبنانيين وتنوير بعضهم الذين قد تغيب عنهم مصلحة لبنان، وذلكعلى عكس ايران التي لم تقدم للبنان شيئا سوى صواريخ الى حزب الله صواريخ، وبيوتا الى بعض مسؤوليه، ومن حق الدولة السيادي ان تتصرف بما تمليه عليها مصلحتها والظروف في المنطقة، واللبنانيون لهم موقع خاص في قلوب السعوديين بصفة عامة، لكن ان نخدع ونسكت كي يقال اننا في غفلة فهذا شيء لا نرضاه".
خلفية امنية
وعن قرار الترحيل الذي يتم تداوله، اشار بن عمر إلى أن "من يعمل ضد الدولة سواء لبناني او من اي جنسية كانت، هو شخص غير مرحب به، وهي قاعدة لدينا منذ فترة، وانا اعتقد أن كل قرارات الترحيل التي صدرت سواء من المملكة او من دول أخرى لا بد من أن يكون لها خلفية أمنية". واضاف "بعض الاحزاب توظف هؤلاء الاشخاص لصالحها، فيواجهون قرار ترحيلهم، يربطون الامر بخلفيةانسانية، وفي الواقع الاحزاب هي التي قطعت في ارزاقهم". وقال "دعيت الى معاملة منتسبي التيار العوني كمعاملة اتباع حزب الله، لأن كلا التيارين يعملون ضد مصلحة المملكة".
أزمة علاقات خارجية
"هناك أزمة يمر بها لبنان على مستوى علاقاته الخارجية ولا سيما العربية، نتيجة مواقف بعض السياسيين في الحكومة، الذين يأخذون البلد الى محور آخر لا يشبه ما اتفق عليه اللبنانيون في الطائف، ولبّ المشكلة هي فيوضع تفسيرات واجتهادات"، بهذه الكلمات علق رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية – السعودية إيلي رزق في اتصال مع "النهار" على القرار السعودي معتبرا ان "المطلوب موقف واضح، إما يؤكد لبنان انه عربي الهوية ويلتزم ما نص عليه دستور الطائف اي الاجماع العربي، ويُدين اي تدخل في شؤون الدول العربية، واما سيتعرض لنكسات في علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول العربية. وما نشهده اليوم خير دليل على عدم النضج الحكومي في هذا الملف".
خسائر بالمليارات
رزق يخشى ان تذهب الامور الى المزيد من التدهور لتطال مصالح اللبنانيين المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، وقال "حتى الآن نلاحظ ان لبنان تأثر اقتصادياً بعد تمنع الخليجي عن الاستثمار فيه، فتدنى حجم الاستثمارات ليبقى نحو 8 شركات سعودية تعمل في لبنان، كما لمسنا ارتفاع نسبة بيع العقارات التي يملكها السعوديون ناهزت 70 في المئة في المناطق الجبلية، وحوالي 34 في المئة في المناطق الساحلية، كما تدنت نسبة مساهمة السعوديين في وسط بيروت من 18 الى 3 في المئة، مع التدني الحاد في عدد السواح الخليجيين عموما والسعوديين خصوصا، وكل المؤشرات تؤكد على انخفاض في مستوى التبادل التجاري والاقتصادي منذ سنوات. واذا استمر الأمر على هذا المنوال نخشى على تحويلات اللبنانيين من دول الخليح،التي بلغت 6 مليارات دولار سنوياً".
حيث لا ينفع الندم
ودعا رزق الحكومة الى المبادرة فوراً لتصحيح الخطأ الذي ارتكبته في اجتماع جامعة الدول العربية واجتماع مجلس التعاون الاسلامي، "خاصة ان الجميع يعلم ان حكومة نجيب ميقاتي عندما التزمت مبدأ النأي بالنفس،كانت تقصد النأي عن التدخل في الخلافات العربية العربية ولم تكن تقصد ان ينأى لبنان بنفسه عن دعم اشقائه العرب عندما يواجهون خطرا خارجياً. وان لم يتم تصحيح الخطأ سنشهد المزيد من القرارات، وقد يكون الوقت متأخرًا، ولن ينفع حينها الندم"!