هل قرّر تيار المستقبل المغامرة باستقرار البلاد الهش؟ أم أن تصعيده الكلامي أمس هدفه حصراً إرضاء النظام السعودي ونيل بعض «الصغائر»، كتأجيل الانتخابات البلدية التي يخشاها؟ تتداول القوى السياسية بإجابتين. الأولى تقول إن السعودية تريد مواكبة تصعيدها في سوريا وسائر الإقليم بتوتير الأوضاع في لبنان، وصولاً إلى المغامرة بأمنه، بهدف الضغط على حزب الله وإشغاله عن تأدية دور جوهري في الحرب السورية، وإن الرياض أرسلت الرئيس سعد الحريري إلى بيروت لقيادة هذه المواجهة.

لكن غالبية القوى السياسية تتحدّث عن عدم قدرة الرياض على الضغط باتجاه مواجهة لبنانية تتخطى السياسة إلى الأمن، لأنها لن تكون في مصلحة حلفائها، وأن كل ما يريده النظام السعودي هو حشر حزب الله في الزاوية، وإظهاره وحيداً بلا حلفاء عندما يتعلّق الأمر بانتقاد السياسة السعودية في المنطقة، والضغط عليه لتحقيق مكاسب لتيار المستقبل وفريق 14 آذار، سواء في الاستحقاق الرئاسي وغيره من الملفات الداخلية، أو في رسم السياسة الخارجية.
قرار السعودية تجميد الهبتين المقدمتين إلى الجيش اللبناني يوم الجمعة الفائت بدا كصافرة انطلاق التصعيد المستقبلي. التيار الأزرق وحلفاؤه يريدون تجميد عمل الحكومة، إذا لم تُصدر في اجتماعها الاستثنائي اليوم بياناً تسترضي فيه النظام السعودي. تبرير كل ما يفعله هذا النظام كان الطاغي أمس على مواقف رموز 14 آذار التي مارست الابتزاز بلا أي قفازات: إما أن تصمت جميع القوى اللبنانية عن كل ما يرتكبه هذا النظام في المنطقة، كالعدوان على اليمن مثلاً، أو أن يصبح «الأمن الاجتماعي» للبنانيين الذين يعملون في الخليج مهدداً.


المغرّد السعودي «مجتهد»: الرياض تعيد الهبتين مقابل الإفراج عن أمير الكبتاغون

 

وعبارة «الأمن الاجتماعي» وردت أمس في بيان قوى 14 آذار التي اجتمعت في منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل. وطالب المجتمعون الحكومة باتخاذ قرارات في جلستها اليوم، وإلا سيكون لهم كلام آخر، بحسب ما عبّر الحريري. مصادر المستقبل أكّدت أن الخيارات المتاحة هي تعليق العمل الحكومي، ووقف الحوار الثنائي مع حزب الله. الحزب لم يقل كلمته بعد، بانتظار ما سيقترحه الرئيس تمام سلام في جلسة مجلس الوزراء اليوم. لكن الرئيس نبيه بري اقترح صيغة للحل، عندما عبّر أمس عن أمله بأن «يصدر عن مجلس الوزراء اليوم بيان يؤكد التضامن مع الدول العربية في القضايا العربية المشتركة، على أن يستمر الالتزام بالنأي بالنفس في الموضوع السوري». وعندما سُئل بري عما إذا كان سيلبي الدعوة التي وجهت إليه لزيارة السعودية، أجاب: في الظروف المؤاتية، سألبيها. ودعا الرئيس بري إلى الكف عن «الثرثرة المحلية» في موضوع تجميد الهبتين السعوديتين.
أما باقي حلفاء الحزب، فالتزموا الصمت، أو عبّروا عن مواقف تحابي السعودية، باستثناء قلة، كالوزير السابق وئام وهاب الذي استمر في الدفاع عن الحزب، ومهاجمة تيار المستقبل، وتحذيره من محاولة العبث بالأمن الداخلي.
الاجتماع في منزل الحريري كان قد شهد مزايدة من النائب مروان حماده، الذي طالب باستقالة جماعية من الحكومة، وهو ما رفضه رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، والوزير ميشال فرعون والنائب جورج عدوان الذي دافع بقوة عن بقاء الحكومة وضرورة حماية المؤسسات وعدم التخلي عنها. عدوان مثّل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي استبق اللقاء برفض تحميل مسؤولية الغضب السعودي لوزير الخارجية جبران باسيل، قائلاً إن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة. ورفض عدوان في الاجتماع ذكر اسم باسيل في البيان أو الإشارة إليه. ورغم نفي النائب السابق فارس سعيد لهذه المعلومة، فإن مصادر أكثر من طرف مشارك في اللقاء أكدتها.
وعلى هامش اللقاء، عبّر عدد من مسؤولي حزب الكتائب عن امتعاضهم من عدم مشاركة وزراء الحزب ونوابه في اللقاء، و»احتكار» النائب سامي الجميل لتمثيلهم. وخرجت الأصوات المعترضة إلى العلن، بتصريح للوزير سجعان قزي قال فيه إنه لن يلتزم بأي قرار يصدر عن اجتماع منزل الحريري «إذا لم أكن مشاركاً فيه». وكان لافتاً أن الحريري تعمّد تخصيص المقعد الذي على يمينه للجميل، فيما جلس عدوان على يسار السنيورة، وهو ما عدّته مصادر في 14 آذار رسالة سلبية من الحريري إلى جعجع.
وعلمت «الأخبار» أن المجتمعين لم يأتوا على ذكر استقالة الوزير أشرف ريفي، باستثناء أحاديث جانبية عبّر خلالها ممثلو تيار المستقبل عن استيائهم وغضبهم من خطوة وزير العدل السابق، ورفضهم لمزايداته.
وصدر عن لقاء منزل الحريري بيان تلاه السنيورة، طالب فيه حزب الله بالانسحاب من سوريا، محملاً إياه «مسؤولية افتعال المشاكل وضرب استقرار لبنان المالي والأمني والمعيشي». وطالب البيان الحكومة بـ«الاجتماع فوراً لاتخاذ موقف يؤكد التزام لبنان بالتضامن والإجماع العربي»، ورفض «تحويل لبنان الى قاعدة لمعاداة أي دولة عربية».
وعلى هامش كل ما يجري، قال المغرّد السعودي الشهير «مجتهد» على حسابه على «تويتر» إن الرياض ستتراجع عن قرار وقف الهبتين إلى الجيش في حال إفراج السلطات اللبنانية عن الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، الذي أوقف في مطار بيروت في تشرين الأول الفائت، بعدما ضُبِط في حوزته نحو طنين من حبوب الكبتاغون المخدرة.