البدانة ليست مشكلة بسيطة تعني تراكماً غير طبيعي للدهون في مختلف أجزاء الجسم. في الواقع، إنها تتخطّى مجرّد "تشويه" المظهر الخارجي لتهدّد حياة صاحبها من خلال رفع إحتمال إصابته بأمراض جدّية. لا بل أكثر من ذلك، وجد الأطباء أنّ البدانة التي تغزو العالم عموماً والدول العربية خصوصاً، تُعتبر من أكثر المشكلات الصحّية العامة خطورة في القرن الحادي والعشرين. متى تصبح جراحات البدانة ضرورة مُلحّة، وما هو العامل الرئيس الذي من دونه تفقد هذه العمليات فاعليّتها وبالتالي يعجز المريض عن بلوغ النتيجة المرجوّة. أوضحت إختصاصية التغذية، كريستال بدروسيان لـ"الجمهورية" أنه "لمعرفة درجة البدانة يجب حساب مؤشر كتلة الجسم BMI، أيْ الوزن بالكيلوغرام منقسم على مربّع الطول بالمتر. فإذا تراوح بين 30 و34,9 كلغ/ م2 فذلك يُشير إلى درجة أولى من البدانة، لتنتقل إلى الثانية إذا وصل 35 إلى 39,9 كلغ/ م2، والثالثة عندما يتخطّى 40 كلغ/ م2.

ونتحدث عن بدانة مرضية عند بلوغ الدرجة الثالثة، أو حتى الثانية شرط أن تكون مُرفقة بمشكلة صحّية مرتبطة بالوزن الزائد مثل السكّري، أو إنقطاع التنفّس أثناء النوم، أو أمراض القلب، أو الضغط المرتفع".

وشدّدت على أنّ "البدانة تملك مخاطر عديدة يجب أن تدفع صاحبها إلى إجراء عملية جراحية. كيف لا وهي مرتبطة بأكثر من 30 مشكلة صحّية تكون إمّا جسدية (سكّري من النوع الثاني، وأمراض القلب والشرايين، وإرتفاع ضغط الدم والكولسترول والتريغليسريد، وإنقطاع التنفّس أثناء النوم، وأمراض المفاصل وترقّق العظام، ومرض الكبد الدهني، وإرتجاع المريء، وإضطرابات الدورة الشهرية، ومضاعفات أُثناء الحمل، والسرطان خصوصاً البروستات والرحم والقولون والثدي)، وإمّا عقلية (إنهيار عصبي، وإضطرابات نفسية، وكآبة، وفقدان الثقة بالنفس). فضلاً عن أنها تؤدّي إلى الموت المُبكر، وقد تبيّن أنها مسؤولة عن نحو 112 ألف حال وفاة سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية وحدها".

أنواع العمليات

 

وأشارت بدروسيان إلى أنّ "العلاج الجراحي هو خيار يُعنى به فقط الأشخاص الذين يشكون من بدانة مرضية، وفيه توجد أنواع جراحية عديدة يختارها المريض بعد إستشارة الطبيب الذي يأخذ في الحسبان المشكلات التي يعانيها، والكيلوغرامات التي يجب خسارتها، وحجم الوزن الزائد.

ومن أبرز أشكالها:

 

• Sleeve Gastrectomy: أيْ تكميم المعدة أو إستئصال أنبوب المعدة. هذه التقنية تزيل تقريباً 75 في المئة من المعدة خصوصاً الجزء الذي يحتوي خلايا تفرز هرمون "Ghrelin" الذي يحفّز الشهيّة. وبذلك تنخفض رغبة المرضى بالأكل وأيضاً الكميّة التي يستهلكونها.

• Gastric Banding: عبارة عن ربط المعدة، حيث يتمّ وضع حلقة حول الجزء العلوي للمعدة فيمرّ الطعام بشكلٍ بطيء أشبه بمبدأ الساعة الرملية، ويشعر المريض بالشبع عند تناول كمية صغيرة من الأكل. هذه التقنية الوحيدة التي يمكن تعديلها من خلال إزالة الحلقة متى أراد المريض أو عند حدوث تعقيدات.

• Gastric Bypass: تؤدي هذه التقنية، التي يتمّ فيها تجاوز المعدة وتحوير الأمعاء، إلى حدّ كمية الأطعمة المستهلكة لأنّ حجم المعدة يصغر، وكذلك تخفّف إمتصاص المواد الغذائية بسبب إتجاه الأكل إلى الجزء الأوسط من الأمعاء.

• Biliopancreatic Diversion with Duodenal Switch: تخفّض هذه العملية الجراحية، التي تحوّر المسار المطوّل مع عكس الإثني عشر، كمية الأكل المستهلكة وأيضاً الإمتصاص، وتُستخدم عندما يبلغ مؤشر كتلة الجسم أكثر من 50 كلغ/ م2 أو عند فشل عمليات أخرى.

• Plication: أيْ طيّ المعدة بدلاً من قصّها كما هو الحال في الـ"Sleeve"، وبالتالي يصغر حجمها".

فاعليّتها وشروط إجرائها

 

وتحدّثت عن نتائج هذه الجراحات ونسبة نجاحها، فقالت إنّ "وفق المكتبة الوطنية للطبّ في الولايات المتحدة عام 2010، تُعتبر الجراحة العلاج الأكثر فاعليّة وطويل الأمد للبدانة المرضية. أظهرت الدراسات أنّ المرضى يخسرون 30 إلى 50 في المئة من وزنهم الزائد خلال 6 أشهر بعد الجراحة، ونحو 77 في المئة بعد مرور عام واحد.

كذلك، ذكرت وكالة أبحاث الرعاية الصحّية والجودة أنّ سلامة العمليات الجراحية لعلاج البدانة قد تحسّنت كثيراً بفضل تعزيز الأساليب المستخدمة، واللجوء إلى تقنية المنظار، وظهور مراكز جراحية متخصّصة في علاج البدانة.

وإستناداً إلى دراسة بارزة نُشرت في مجلة الجمعية الطبّية الأميركية عام 2004، تبيّن أنّ المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية تحسّنت صحّتهم بشكلٍ ملحوظ، بحيث إنّ 86 في المئة منهم إنخفض لديهم السكّري، و61,7 في المئة تحكّموا في ضغط الدم المرتفع، وأكثر من 70 في المئة سيطروا على نسبة الكولسترول السيّئ، و75 في المئة تخلّصوا من إنقطاع التنفّس أثناء النوم".

لكن مَن هم المرشّحون لإجراء جراحات البدانة؟

 

كشفت بدروسيان "وجود نقاط عديدة يجب أن تتوافر كي يتمكّن الشخص من إجراء هذه العمليات:

- التحلّي بوزن ثابت منذ فترة.

- الرغبة الشديدة في خسارة الوزن.

- بلوغ مؤشر كتلة جسم يدلّ على بدانة مرضية.

- محاول إتباع حميات غذائية عديدة ولكن من دون جدوى.

- الإستعداد الفعلي لتغيير العادات الغذائية وممارسة الرياضة.

- الموافقة على الخضوع لمراقبة منتظمة من قِبل الطبيب وخبيرة التغذية.

فإذا تمّت الإجابة بـ"نعم" عن كلِّ هذه الأسئلة، يعني أنّ المريض يستطيع الخضوع للجراحة من دون أيّ تردّد".

دور خبراء التغذية

 

من جهة أخرى، أكّدت أنّ "جراحة البدانة المرضية لا تنجح إلّا من خلال متابعة مع خبيرة التغذية، فهي عبارة عن تعاون جماعي بين الجرّاح، وإختصاصية التغذية، وحتى في أميركا تتمّ الإستعانة بمُعالج نفسي لتعديل الأفكار وطريقة التعامل مع الأكل للمساعدة على إنجاح هذه المرحلة.

دور خبراء التغذية أساسي قبل العلمية وبعدها لأنّ التدخّلات الجراحية ليست صحّية، ولهذا السبب تكون النتائج في لبنان غير إيجابية كثيراً في معظم الأوقات".

وتابعت حديثها أنّ "إختصاصيي التغذية يغيّرون أسلوبَ حياة المريض وعاداته اليومية للحصول على نتيجة جيدة. فضلاً عن أنهم يقيّمون إحتياجاته، ويضعون التوصيات اللازمة لتجنيبه أيّ نقص في الفيتامينات والمعادن والبروتينات، وأهمّ شيء يساعدونه على منع خسارة الكتلة العضلية بعد العملية لأنّ ذلك لن يحسّن الشكل إطلاقاً وسيُبطئ عملية الأيض".

ولفتت إلى أنّ "مهمّة خبراء التغذية يجب أن تبدأ حتى قبل إتمام الجراحة، إذ يُنصح المريض بخسارة نحو 5 إلى 10 في المئة من وزنه عن طريق التقيّد بغذاء منخفض الكربوهيدرات والسعرات الحرارية، خصوصاً إذا كان مؤشر كتلة جسمه مرتفعاً جداً، ما يخفّض حجم الكبد قليلاً وتصبح العملية بالمنظار أسهل.

فضلاً عن أنّ التقيّد بالحمية قبل إجراء الجراحة يساعد المريض أكثر على بدء تغيير نمط غذائه الذي سيرافقه بعد الجراحة، حيث تصغر معدته وتعجز عن إستيعاب أكثر من 15 إلى 80 ملل بحسب نوع العملية.

وهنا أيضاً تلعب خبيرة التغذية دوراً أساساً، فتضع لكلّ مريض الكمية التي يمكنه تناولها ونوع المأكولات المفيدة له. علماً أنّ غذاء بعد الجراحة يجب أن يبدأ أولاً بالسوائل فقط، وبعدها يتمّ الإنتقال إلى المواد نصف السائلة كالكاسترد، ثمّ الطعام المطحون، فالطريّ، وبعد نحو شهر ونصف يبدأ بالأكل بشكل طبيعي والإلتزام بنظام غذائي جديد وصحّي".

توصيات عامّة

 

وفي ما يلي مجموعة نصائح عامة قدّمتها بدروسيان لجميع المرضى بعد خضوعهم للجراحة:

- الحرص على تعدّد الوجبات الغذائية الصغيرة في اليوم لعجزهم عن إستهلاك كميات كبيرة.

- تناول الطعام ببطء ومضغه جيداً.

- التوقّف عن الأكل لحظة الشعور بالشبع.

- عدم شرب المياه أثناء الأكل.

- إحتساء كمية جيّدة من المياه خلال اليوم تفادياً للجفاف.

- تجنّب المشروبات الغنيّة بالسعرات الحرارية.

- ممارسة الرياضة أقلّه 30 دقيقة في اليوم.

وختاماً دعت جميع المرضى الذين خضعوا أخيراً لجراحات البدانة أو يرغبون بإجرائها، إلى "عدم الإكتفاء بمجرّد إجراء العمليّة، إنما الأهمّ الحصول على متابعة جيّدة ومتواصلة من خبراء التغذية لمساعدتهم على التخلّص من كلّ الكيلوغرامات المطلوبة، خصوصاً بعد مرور سنة حيث تبدأ خسارة الوزن بالإنخفاض. من دون تغيير نمط الحياة، والحصول على أكل صحّي فإنّ مفعول العملية لن يدوم طويلاً، لذلك نلاحظ أنّ الكثيرين يستعيدون كلّ الوزن الذي خسروه بسبب إهمالهم للشقّ الغذائي وليس فقط لأنّ العملية لم تنجح كما يُقال غالباً لتبرير الفشل".