تخيّم على اللبنانيين في الوطن والمهجر العربي أجواء قلق مصحوبة بالأسف وحبس الأنفاس غداة القرار غير المسبوق الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بوقف المساعدات العسكرية والأمنية للبنان من ضمن جملة مقررات وضعتها في إطار «المراجعة الشاملة» للعلاقات مع الدولة اللبنانية رداً على مواقفها الرسمية غير المنسجمة مع «العلاقات الأخوية بين البلدين» في كل من مؤتمري القاهرة العربي وجدّة الإسلامي. ولأنّ القلق آخذ بالتعاظم خشية تعمّق الشرخ مع المملكة وعموم دول مجلس التعاون الخليجي الذي أعرب أمس عن تأييده للقرار السعودي بحق لبنان، مع ما قد ينتج عن ذلك من تداعيات كارثية على مصلحة البلد ومصالح أبنائه الحيوية سواءً المقيمين منهم في الوطن أو المحتضنين والمؤتمنين على أرزاق عوائلهم في الخليج العربي، تعالت الأصوات الوطنية خلال الساعات الماضية مطالبةً الحكومة بإصلاح ما أفسدته سياسات «الخارجية» العونية بالتكافل والتضامن مع عدائية «حزب الله» تجاه السعودية والعرب، في أسرع وقت ممكن لتطويق ذيول التدهور في العلاقات اللبنانية العربية الرسمية والحؤول دون مزيد من التطورات السلبية الدراماتيكية على مستوى هذه العلاقات سياسياً واقتصادياً.

وفي هذا الإطار، حضّ الرئيس سعد الحريري أمس الحكومة «على أن تتحرك باتجاه المملكة العربية السعودية» لبحث سبل حل الأزمة الناتجة عن المواقف المتخذة «في جامعة الدول العربية وفي كل المنابر الدولية ضد المملكة»، واصفاً الموقف اللبناني الرسمي في المؤتمر الإسلامي الأخير في جدّة إزاء موضوع الاعتداء على البعثة الديبلوماسية السعودية في إيران بأنه «موقف غير عربي وغير مفهوم»، مع تشديده في الوقت عينه على أنّ «الكلام المرفوض الذي يصدر عن المنابر سواءً من «حزب الله» أو آخرين باتجاه المملكة لا يمثل لبنان والسياسة اللبنانية».

الحريري، وبعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، جزم رداً على أسئلة الصحافيين بأنّ الحزب «والتيار الوطني الحر» يتحملان مسؤولية ما حصل مع السعودية، وأعرب عن أسفه لرفض الوزير جبران باسيل السير بالإجماع العربي، مؤكداً في المقابل على وجوب أن يكون موقف لبنان مع العرب وإجماعهم.

ولاحقاً، استقبل الحريري في بيت الوسط أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة المفتي دريان الذي توجّه إليه بالقول: «نحن نعوّل عليك كثيراً في إعادة ترتيب العلاقة اللبنانية - السعودية، فأنت الأجدى لتصحيح هذه العلاقات لأنّ المسلمين السنّة في لبنان وغالبية اللبنانيين هم أهل الوفاء للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وسائر دول الخليج، ونحن معكم يا دولة الرئيس لتوصلوا هذه الرسالة إلى المملكة من أعلى مجلس في الطائفة السنية، لأنّ مواقفنا هي مواقف داعمة لمن وقف معنا في أزماتنا». أما الحريري فكانت له كلمة مرحبة شدد فيها على ضرورة تكاتف الجهود السياسية والروحية في سبيل مواجهة خطر التطرف والتأكيد في المقابل على أهمية الاعتدال ومفاهيمه، مشيراً في الوقت عينه إلى ضرورة وحدة المسلمين باعتبارها الركيزة الأساس لوحدة لبنان. كما تطرق إلى قضية السجناء الإسلاميين داعياً إلى «الإسراع ببتّ محاكمة جميع الموقوفين من دون أي تلكؤ أو تأخير لتبرئة من تثبت براءته ومعاقبة من ارتكب أعمالاً إجرامية أو إرهابية». 

«المستقبل» 

تزامناً، عقدت كتلة «المستقبل» النيابية أمس اجتماعاً طارئاً برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة لمناقشة مستجدات العلاقات اللبنانية السعودية مؤكدةً في بيان أنّ قرار المملكة الأخير المتعلق بوقف الهبتين المقررتين سابقاً للجيش والقوى الأمنية إنما أتى «نتيجة الاستهانة والاستخفاف بالمصلحة الوطنية اللبنانية من قبل وزير الخارجية والتنكر لتاريخ السياسة الخارجية المستقرة والمعتمدة من قبل لبنان في علاقاته مع الدول العربية الشقيقة». وإذ نددت بهذه الارتكابات التي «مسّت بعروبة لبنان وانتمائه الحاسم للعالم العربي الذي عبّر عنه اللبنانيون في وثيقة الوفاق الوطني وفي الدستور»، نبهت الكتلة من «التفريط بمصالح اللبنانيين في العالم نتيجة تهجم «حزب الله» المسف بحق المملكة والدول الخليجية والعربية وتهوره ومغامراته غير المسؤولة والبعيدة عن مصالح لبنان واللبنانيين وعمله على تعطيل الهبتين السعوديتين منذ الإعلان عنهما»، داعيةً الحكومة في المقابل إلى «تأكيد الالتزام بالإجماع العربي والقيام بتحرك واجتماع فوري لمجلس الوزراء لمعالجة هذه الأزمة وإبقاء جلساتها مفتوحة، وكذلك إرسال وفد على أعلى المستويات إلى السعودية لمعالجة هذه الأزمة الخطيرة».

الجميل

كذلك دعا الرئيس أمين الجميل رئيس الحكومة تمام سلام إلى «وقفة مسؤولة، والحكومة إلى التضامن الكامل بما يؤمن معالجة الأمر سريعاً، والتأكيد للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عمق العلاقات بين بلدينا وتمسكنا بالمصالح السعودية والعربية»، داعياً «كل الأطراف السياسية إلى أن تقوم بمراجعة وجدانية لمواقفها والخروج بموقف وطني كامل حول هذا الموضوع».

جنبلاط

بدوره، جدّد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط مناشدة قيادة المملكة «إعادة النظر بقرارها»، ودعا «كل القوى اللبنانية إلى إعادة النظر بمواقفها تجاه الدول العربية والتأكيد على عروبة لبنان وعدم الخروج منها أو عليها (...) والامتناع عن إصدار مواقف تفاقم اضطراب العلاقات وانتكاستها» مع السعودية والعرب، معرباً عن أمله في «أن يكون ما حدث مجرد غمامة صيف عابرة كي تستعيد العلاقات اللبنانية- السعودية والعلاقات اللبنانية- الخليجية طبيعتها وتستأنف المسيرة المشتركة من التقارب العروبي الأخوي الصادق».

جعجع

من ناحيته، طالب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الحكومة بأن «تلتئم وتوجّه طلباً رسمياً إلى «حزب الله» بالامتناع عن مهاجمة السعودية تحت طائلة تنفيذ قانون العقوبات اللبناني»، داعياً إلى «تشكيل وفد رفيع المستوى قوامه نصف الحكومة الحالية مع رئيسها لزيارة المملكة والطلب منها إعادة استئناف مساعداتها إلى لبنان».

الخارجية 

وفي الأثناء، حاولت وزارة الخارجية أمس النأي بنفسها عن مسببات الأزمة الناتجة أساساً عن قراراتها الخارجة عن الإجماع العربي، فأصدرت بياناً مطوّلاً تهجّمت فيه على المواقف الوطنية المنتقدة لهذه القرارات التي برّرتها بأنها جاءت مبنية على «البيان الوزاري وبالتنسيق مع رئيس الحكومة»، مؤكدةً في الوقت نفسه على «العلاقة التاريخية العميقة مع السعودية المبنيّة على روابط وثيقة بين الدولتين والشعبين»، كما تعهدت ببذل الجهود «لحماية هذه العلاقة مما يسيء إليها خارجاً عن إرادة الوزارة والحكومة»، مع تعويلها في هذا الإطار على «أهمية التفهّم السعودي لتركيبة لبنان وظروفه وموجبات استمرار عمل حكومته واستقراره».