فيما إستمر الموقف السعودي بوقف تسليم لبنان الهبات المالية المقررة لدعم الجيش والاجهزة الأمنية يتفاعل في الاوساط السياسية، عاكسا حالا من الضياع وغياب التنسيق في الموقف الرسمي حيال الإجراءات المطلوب إتخاذها والآيلة الى إحتواء مفاعيل هذا الموقف، بدا لبنان متخبطاً بين فريق سياسي مؤيد للمملكة، محملاً مسؤولية القرار لـ" حزب الله" و" الوطني الحر" ممثلا بوزير الخارجية جبران باسيل، وبين فريق مناهض يعزو القرار الى حسابات سعودية داخلية.

اما الموقف الحكومي فظل غائبا كليا وسط صمت احاط باسيل نفسه به، مستعيضا ببيان صادر عن وزارة الخارجية اشارت فيه الى " ان الوزارة أخذت علما بموقف المصدر المسؤول في المملكة"، وهي تؤكد أن "العلاقة بين الجمهورية اللبنانية والمملكة العربية السعودية ليست علاقة ظرفية مرتبطة بظروف عابرة، بل هي علاقة تاريخية عميقة"، مشيرة إلى أنها كانت "أول من بادر في لبنان الى إصدار موقف رسمي على لسان وزير خارجيتها أدان فيه التعرض للبعثات الديبلوماسية السعودية في ايران ولأي تدخل في شؤونها الداخلية". وكررت أن الموقف الذي عبرت عنه "جاء مبنيا على البيان الوزاري وبالتنسيق مع رئيس الحكومة، وهو موقف قائم على الحفاظ على الوحدة الوطنية من دون التعرض للتضامن العربي". كما اعتبرت ان "المواقف اللبنانية التي تصدر محاولة الإستفادة السياسية الرخيصة من موقف المملكة من دون أن تتحمل المسؤولية في تقديم البديل وتحمل تبعاته، هي مواقف تزور حقيقة الموقف اللبناني السليم وتسبب في زيادة التشنج في العلاقة اللبنانية- السعودية"

 

وفي حين كشف وزير الدفاع الوطني سمير مقبل انه عرف بالموقف السعودي يوم الاثنين الماضي، مصرحا "النهار" انه لم يتبلغ رسميا اي قرار ، ولكن الفرنسيين اتصلوا به الاثنين الفائت خلال زيارته الى قبرص وأبلغوه ان السعوديين طلبوا وقف العمل بالاتفاق- الهبة، بدا ان رئيس الحكومة تمام سلام. لم يكن في اجواء هذه المعلومة.
وفي حين اعتصم امس بالصمت ، مكتفيا بالبيان الذي سبق وأصدره، متريثاً في انتظار توضح صورة الموقف، خصوصا ان لبنان لم يتبلغ بعد اي امر بشكل رسمي، عكست أوساطه انزعاجه ومرارته مما آلت اليه الأمور مع المملكة رغم المحاولات العديدة للبنان لتوضيح موقفه. وامتنعت الاوساط عن إعطاء اي معلومة في شأن امكان توجيه سلام دعوة لمجلس الوزراء كما طالبه امس اكثر من فريق سياسي، كاشفة ان الأمور ستتوضح مع مطلع الأسبوع ليبنى على الشيء مقتضاه. وكانت الجلسة الحكومية شكلت مطلبا ملحا وعاجلا من اكثر من فريق على ضفة ١٤ آذار، بينما غابت المسألة عن كل مواقف قياديي حزب الله امس.
وكشفت مصادر سياسية بارزة ان الاتفاق الموقع مع الجانب الفرنسي قد نفذ منه ما نسبته ٢٠ في المئة فقط، فيما يجري تسليم الأسلحة على دفعات، مبدية خشيتها من ان تضطر السلطات الفرنسية الى وقف العمل بالاتفاق نزولا عند القرار السعودي، رغم ما سيرتبه الامر من أضرار وخسائر على لبنان، علما ان مصير الاتفاق لم يعرف بعد وإذا كان سيلغى كليا مع ما يرتبه على العلاقة السعودية الفرنسية او انه سيتم تغيير وجهته، او تجميده في انتظار المعالجة السياسية له، خصوصا وان سير تنفيذ الاتفاق بطيء في الأساس.
وإذ توقفت المصادر عند ما كشفه مقبل للنهار، استغربت ردة الفعل اللبنانية والتعاطي غير الجدي مع المعلومات التي وردت الى وزير الدفاع بحيث لم تبادر الحكومة الى القيام بأي تحرك او اجراء من شأنه ان يثني المملكة عن قرارها.
كما استغربت استمرار صمت رئيس الحكومة عن المبادرة الى اي اجراء

وكان هذا الموضوع تقدم على الحراك الرئاسي، فشكل خلال عطلة نهاية الأسبوع محور الاتصالات والمشاورات والمواقف، ولا سيما المنددة بما كان صدر عن باسيل وحزب الله ودفع المملكة الى مثل هذا القرار، فيما برز موقف عكسته اوساط رئيس المجلس نبيه بري داعية الى التروي وعدم التسرع في إطلاق الأحكام قبل اتضاح الصورة.
وفي السياق، حمّل الرئيس سعد الحريري "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، المسؤولية، كاشفا عن حركة اتصالات تجري لمحاولة تسوية الامر". واذ "حض الحكومة على أن تتحرك في اتجاه المملكة لنرى كيف يحل هذا الموضوع"، وقال بعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن المواقف التي اتُخذت في جامعة الدول العربية وفي كل المنابر الدولية ضد المملكة، خصوصا في موضوع الاعتداء على السفارة السعودية في ايران، موقف غير عربي وغير مفهوم، وعلينا ان نتكاتف ونحاول ان نرى كيف يحل الموضوع"

وفي السياق عينه، ناشد رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط المملكة العودة عن قرارها، فيما طالب رئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الحكومة الحكومة الى الاجتماع فورا ل" إنقاذ ما تبقى من الهبة وتوجيه طلب رسمي الى " حزب الله" للإمتناع عن مهاجمة المملكة". وعزا خلال ندوة بعنوان "التوعية البلدية" في معراب، القرار السعودي الى وجود فريق لبناني يهاجم السعودية "على الطالع والنازل" بشكل مستمر ولأسباب لا علاقة لها بلبنان ولا بمصلحته ومصلحة اللبنانيين"، ومعتبرا ان "الشعرة التي قصمت ظهر البعير ثانيا هي ان كل حكومات الأرض دانت الاعتداء على السفارة السعودية في ايران، بما فيهم الرئيس الايراني حسن روحاني ومرشد الثورة علي خامنئي، إلا الحكومة اللبنانية تحت غطاء النأي بالنفس الذي ينطبق في حالات أخرى وليس في هذه الحالة".
بدورها، طالبت كتلة " المستقبل" في اجتماع طارىء عقدته امس لهذه الغاية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، الحكومة التحرك وعقد اجتماع فوري لمجلس الوزراء وابقاء جلساتها مفتوحة وارسال وفد على اعلى المستويات الى المملكة لمعالجة الأزمة داعية الحكومة الى الالتزام ببيانها الوزاري وبالإجماع العربي " ليكون الامر ثابتا وغير خاضع لأهواء وزير الخارجية أو ضغط حزب الله".
سياسيا، لم يحجب التطور السعودي الضوء عن الملف الرئاسي الذي استمر مادة سجالية امس بين الرئيس الحريري وجعجع. فردا على سؤال حول احتمال سحبه ترشيح النائب سليمان فرنجية، قال الحريري للصحافيين ممازحا "لا، ربما الحكيم (رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع) يجب ان يسحب ترشيحه لميشال عون، ونحن مستمرون وملتزمون بترشيحنا"، ما دفع جعجع الى المسارعة الى الرد على اقتراح الحريري قائلا "بتمون شيخ سعد بس شو رأيك تعمل العكس"؟
لكن مصادر سياسية مواكبة اشارت الى ان الحراك الرئاسي الحاصل لم ينجح بعد في احداث خرق في المواقف وان كان نقل الملف من المواقف المبدئية الى مرحلة اكثر براغماتية تفسح المجال امام التفاهمات والتسويات، من دون ان تعطي انطباعا بأن الأمور سائرة في هذا الاتجاه، مستبعدة ان تشهد جلسة الثاني من آذار المقبل وعلى رغم كل الزخم الذي يحشده الحريري، توافر النصاب لانتخاب رئيس.

وعلى وقع الحراك الشعبي لمجموعة " بدنا نحاسب" في الشارع، ، فشلت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة أزمة النفايات خلال الاجتماع الذي عقدته في السرايا امس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام بإحداث خرق تمهيدا لإتخاذ أي قرار ، وقررت ان تستكمل مباحثاتها بعد ظهر غد الاثنين.
وإذ وصف وزير الزراعة اكرم شهيب الامور بالجيدة، تحدث وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج عن "نيات حسنة".فيما بدا واضحا ان خيار المطامر هو المرجح حيث أكد وزير الصناعة حسين الحاج حسن أن المطامر هي الحلّ المناسب وأن الاهم هو اختيار مواقع بيئية مناسبة، في حين اشار وزير التربية الياس بو صعب الى "أننا سنعود الى الخطة التي كانت موضوعة في السابق"، معتبراً أن على الجميع ان يقتنعوا بالذهاب الى البلديات واعطائها التمويل اللازم".
وعلمت " النهار" من مصادر المجتمعين ان اجواء الجلسة كانت إيجابية وان لم تعكس نتائجها هذا المناخ، كاشفة ان البحث تركز في العمق على احياء الاقتراح الرامي الى فتح مطمر سرار والناعمة والكوستا برافدا مرحليا. وعلم ان الوزراء المعنيين طلبوا استمهالهم للعودة الى قياداتهم من اجل تأمين الالتزام بهذا الموضوع.