في مقدمة كتابه "كلمات الزمن الصعب" الذي اصدره عام 1992 كتب وزير الاشغال العامة غازي العريضي: “الشاطر يعرف كيف يربح، والاشطر من يعرف كيف يخسر، اما الكارثة الكبرى فهي ان نكون لا نعرف كيف نربح ولا كيف نخسر، وفي النهاية نخسر كل شيء”. في ظل ما يجري حولنا في المنطقة والعالم، اين يقف لبنان؟ هل هو ذاهب نحو الخسارة او يربح نفسه على الاقل؟ اسئلة يجيب عنها بنفسه.
¶ بعد التقارير الصادرة عن الامم المتحدة والتي تؤكد ان سوريا اصبحت ساحة لعناصر ومنظمات ارهابية، كيف يمكن لبنان ان يحمي نفسه من تسللها اليه؟
- بالحد الادنى من التضامن الوطني، والاتفاق على قراءة واحدة تمس شأنا وطنيا كبيرا. وهذا الامر غير متوافر ويا للأسف لا داخل الحكومة، ولا لدى المعارضة، وبالتالي ليس موجودا لدى الدولة اللبنانية. لذلك احتمالات الخطر كبيرة. منذ البداية شددنا على مسائل عدة:
- العمل على تحييد لبنان عن الازمة السورية.
- عدم التدخل في الشأن الميداني في سوريا من أي فريق، بغض النظر عن الخلافات السياسية والمواقف المتعارضة والمتناقضة الى حد بعيد في تشخيص الوضع السوري.
- ان تكون لدينا قراءة ورؤية كاملة كدولة، وتعمل المؤسسات وفقها.
كل هذه الامور ليست متوافرة، وبالتالي القلق كبير. آن الاوان لنعمل على هذا الامر على كل المستويات، في الدولة والحكومة والمعارضة، لأن اي ضرر يلحق بلبنان نتيجة تداعيات الشأن السوري على الساحة اللبنانية، لن يلحق بفريق وحده، بل ستكون انعكاساته على المستوى اللبناني العام. علما ان الفرصة متاحة لنا، وبامكانات هائلة، لأنه منذ 40 عاما لم تتوافر فرصة كتلك المتوافرة الآن، والمتمثلة بقرار دولي بحماية الاستقرار في لبنان. ممنوع الانفجار، وهذه فرصة كبيرة لنا.
¶ عملياً، كيف يحمي لبنان نفسه؟
- عندما تقوم المؤسسات الامنية بدورها بتنسيق تام في ما بينها، ومع مؤسسات الدولة الاخرى او الهيئات الشعبية المنتخبة، مثلا التنسيق بين الامن العام الذي يفترض ان لديه سجلات الخارجين والداخلين من لبنان وإليه عبر المرافق الشرعية، اي المرافىء والمطار والحدود البرية، الهيئة العليا للاغاثة” التي يسجل لديها الاشخاص من خلال الجمعيات والمؤسسات، البلديات، إذ لا يمكن بلدية الا ان تعرف ماذا يجري وما الموجود على ارضها... هذا كله يجب ان يصب عند ما سمّته منذ مدة “خلية ازمة” تتعامل مع الشأن السياسي والانساني والامني، وبالتالي تنتظم هذه العملية، حتى ولو كان العدد كبيرا، وعندما تمسك الدولة بزمام الامور بهذه الطريقة تستطيع ان تراقب كل شيء. لكن ويا للاسف، هذا الامر لم ينجز حتى الآن، اضافة الى فقدان الثقة وعدم التعاطي بين الاجهزة الامنية نفسها لتقاطع المعلومات، وبالتالي انعدام القراءة الواحدة للامور.
لبنان معرّض، والمسألة ليست صعبة عندما نفكر في منطق الدولة، وأن الانعكاسات ستكون سلبية علينا جميعا.
¶ هذا يعني أن لا شيء أمنيا ممسوك، والخطر قائم؟
- حتى الآن الى حدود بعيدة نعم، والخطر قائم بالتأكيد. لا يستطيع عاقل ان ينفي هذا الامر، علما ان الفرصة كبيرة. تصوري لو كان القرار الدولي غير ذلك، ماذا كان جرى في لبنان؟
¶ اذاً ما يحمي لبنان هو القرار الدولي فقط؟
- القرار الدولي وبعض التجاوب الداخلي، لأن ليس كل الاطراف منغمسين في هذه العملية. لكن لو كان القرار الدولي غير ذلك، لما كان اسهل ان يفلت البلد، لأن الاحقاد والتشنجات والانقسامات كلها موجودة، وما اخشاه هو الفوضى. الحرب معروفة اطرافها وضوابطها وقواعدها ومن يملك السلاح، الاخطر منها هو الفوضى الشاملة اي ان تحصل احداث، و لا احد يعرف كيف ومتى وأين ومن هو المسؤول، وضياع على مستوى الدولة واجهزتها ومؤسساتها من سرقة الى خطف على الطلب الى قطع طريق الى اعتداءات واغتيالات... حال الفوضى هذه مرعبة، لان الدولة ضعيقة وغير موجودة. بينما لو كانت موجودة والتنسيق قائم بين اهلها بالشكل الذي اشرت اليه، اضافة الى القرار الدولي الموجود، لكان وضعنا افضل بكثير على كل المستويات، امنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياحيا مصرفيا.
- هل يستطيع ان يزايد احد على موقف بكركي برفض قانون الستين؟ لكن البطريرك ميز بين القانون واجراء الانتخابات في موعدها. فخامة الرئيس يتخذ موقفا متقدما وشجاعا وامينا على الدستور وعلى الاستحقاقات الدستورية. الانتخابات يجب ان تجرى في موعدها، واي مسؤول مؤتمن على الدستور وعلى الحياة الديموقراطية في لبنان يجب ان يذهب في هذا الاتجاه. هذا لا يعني ان ندخل في عملية مناورات وتعطيل متبادلة، تارة للحوار العام في السياسة، وطورا للحوار حول قانون الانتخاب، حتى نكون امام امر واقع. نستطيع ان ندخل في النقاش الآن حول قانون الانتخاب. النقاش لا يعني الجزم بالوصول الى امكان اتفاق، وخصوصا في وضع مثل لبنان، وفي قضية حساسة مثل قانون الانتخاب، وعامل الوقت ضاغط. لكن تبذل كل الجهود الصادقة للوصول الى اتفاق، ونذهب الى انتخابات على اساسه. واذا لم نصل هل نعطل الانتخابات؟ قد لا نصل خلال سنوات، ماذا نفعل؟ نترك البلاد من دون مجلس نيابي جديد، ونعطّل المسار الديموقراطي؟ نبقى ننتظر التطورات السياسية في سوريا وغيرها، وقد تمتد لسنوات؟ هل نجمد ونعطل كل شيء ولا نسير بأي امر الا عندما نضمن ان الامر لمصلحتنا؟ هذه سياسة خطيرة جدا ، اذ لا يستطيع اي فريق ان يدعي ان بامكانه احتكار مثل هذا الحق او التصرف، فتستمر وتيرة التعطيل والاستقواء او الفرض، وأي منها لا يستطيع ان يؤدي الى الاستقرار في البلد، وهذا ينعكس سلبا على الجميع.
¶ هل طويت مبادرة جنبلاط، او فشلت او انتهت؟
- لا هذه ولا تلك، لم تحصل اجتماعات خلال الايام العشرة الفائتة بسبب سفر معظم اعضاء الفريق المكلف الحوار. وفي الايام المقبلة سنستأنف الاتصال بالقوى السياسية الباقية التي لم نلتقها، وفي النهاية سنجمع كل الافكار والاستنتاجات، ونقوم بقراءة معمقة تحليلية لما لمسناه. في الحوار مع الاطراف الذي سبق ان اجتمعنا بهم، التقينا على بعض النقاط سنعود الى تجميعها، ولا بد ان تكون هناك نقاط مشتركة يبنى عليها لتوسيع دائرة الحوار حول القضايا الاخرى او لتحقيق خرق ما في الجدار الصلب القائم بين اللبنانيين، والذي يعكس حالة القطيعة وعدم الحوار والتواصل، وهذا اخطر ما نعيشه.
"الامر أكبر منا" ¶ هل ستعود طاولة الحوار؟
- ستعود، واللبنانيون محكومون بالحوار. هل هناك اصعب من ايام الحرب والشروط التي كانت ترسل بالقذائف؟ ويومها عقدت طاولات حوار في جنيف ولوزان ولبنان وغيرها. اليوم لا حواجز ولا حرب، وقنوات التواصل مفتوحة وامكاناتها موجودة.
¶ هل انعقادها مرهون بالازمة السورية؟
- اذا سلمنا بالامر هكذا سنبقى على القطيعة ونشتم ونخون ونتهم بعضنا، ونؤذي البلد في ظل الفرصة الدولية المتاحة لنا لكي نكرس الاستقرار، ولا احد منا يمكنه التأثير في سوريا في اي شيء، او يستطيع ان يدعي انه يدرك اللحظة التي ستنتهي فيها الاحداث في سوريا. هذا خطأ، ولم نوافق عليه من الاساس. لدينا وجهة نظر اعلناها في السياسة بقوة، وسبقنا كل الذين يقفون ضد النظام ، ولكن هذا لا يتناقض مع موقفنا في الداخل انه لا يستطيع احد ان يلغي احدا في لبنان.
هناك فريق راهن على بقاء النظام، واعتبر ان المسألة تنتهي خلال ايام منذ البدايات، وحاول ان يستقوي بالامر. سألناه: ماذا ستفعل بالشريك اللبناني؟ تقول انتصر النظام وبقي، سأنتقم منك في لبنان؟ لا تستطيع ان تنتقم في لبنان، قد يتعدل ميزان القوى قليلا لكن لا تستطيع ان تنتقم او تلغي او تتجاوز او تتفرد. هذا شريكك اللبناني، في تركيبة الموزاييك والتنوع الطائفي والسياسي والمذهبي والاجتماعي لا تستطيع ان تتجاوزه. الفريق الآخر راهن على ان النظام انتهى، ووضع يده على البلد. هل جماعة سوريا في لبنان هم جالية سورية، ام لبنانيون وشركاء؟ هل نقول لهم الحقوا بشار الاسد اينما رحل مع نظامه؟ لا، هؤلاء لبنانيون.
هذا ببسيط الكلام. فكم بالاحرى اذا كانت لدينا تعقيدات هائلة في هذا الموضوع، من تمدد الحالة السورية المتجذرة في لبنان على مدى عقود من الزمن، خصوصا من فترة الوجود السوري في البلد وادارة الامور بالكامل من قبلهم؟ الى تعقيد الوجود الايراني المباشر في سوريا وفي لبنان والمواقف الايرانية المعلنة؟ الى تعقيدات اللعبة الدولية والاقليمية وامتداداتها في لبنان؟ الى الظواهر التي نراها في سوريا وتمددها الى لبنان؟ الى التشنجات والانقسامات في لبنان؟
الامور يمكن ان تؤدي بالبلد الى انزلاق نحو خطر كبير، وهذا ما يجب ان نتفاداه، وهو سبب اضافي لتعزيز اقتناعنا بأن لدينا مواقف سياسية، لكن الموضوع اكبر منا بكثير، ولا نستطيع ان نؤثر. وبالتالي فلنهدأ ونتعقل، ولنأت الى مناقشة حماية لبنان، لان اي ضرر يلحق بالساحة اللبنانية، في اي منطقة من المناطق، سيكون ثمنه في كل المناطق، ولبنان كله يتأثر. واي عنصر ايجابي يستفيد منه لبنان كله.
may.abiakl@annahar.com.lb