لا ندعو لعزل الدين عن الدنيا،ولكن ندعو للتمييز بين النشاط الديني والنشاط السياسي،حتى لا تجتمع علينا الأحزاب الدينية الطامعة والجامحة للسلطة، والطامعين أيضاً من رجال الدين والمتدينين بإسم الدين في دولةٍ واحدةٍ يسرقوننا ويسرقوا أموالنا وحياتنا وحريتنا،من دون أن يكون لنا الحق في نقدهم ومحاسبتهم،ويوهمون الناس بأنهم معصومون لا يخطؤون،ولمواجهة هذا الخطر الداهم في كل مفاصل الحياة،تبقى مسؤولية الدولة وبسط سلطتها وقوانينها بلغةٍ واضحة،لا غموض فيها، لكي توقف إمتداد الأحزاب الدينية في تفسير ما يخدم مصالحها ومصالح دولها العميلة لها،فعندما تكون الدولة حاسمة أمرها في هذا الإتجاه، تسقط كل الذرائع للأحزاب الدينية،وإلاَّ تكون مسوِّغة لإقحام الدين في العمل السياسي،وإستخدام هذه الدعايات لنظام آخر ودولةٍ أخرى،وإستخدامه في الصراع مع الغير،أو في العدوان على حق من حقوق الناس بحجة الدفاع عن المقدسات وعن الدين والشريعة،ولهذا ينبغي أن نتوقف حول حديث عبدالمطلب جد النبي محمد(ص) مع إبرهة الحبشي وجيشه الكبير عندما أخذ في طريقه مواشي عبدالمطلب من إبل وأغنام،إلى هدم الكعبة،فذهب عبدالطلب إليه بإعتباره الأمين العام على الجيش،فظن إبرهة أنه أتى للمفاوضة والحل، لمنعه عن قراره بهدم الكعبة،ولكن عبدالمطلب طلب منه أن يردَّ له الإبل والماشية،فاستصغر إبرهة طلبه،حينها قال له: "أما الإبل فهي لي،وأما البيت فله ربٌّ يحميه"..
ونحن نعلم أنَّ أسباب الخلط بين الدين وغيره هي أسبابٌ كبيرة،وخصوصاً الظروف المعيشية والأوضاع الإقتصادية الصعبة والقاسية على الناس، وسُبُل العيش غير متوفرة وهي ضيقة ومحدودة،فلهذا لم يعد لهم إلاَّ اللجوء إلى الدين بإعتباره الملجأ الوحيد والطريق المؤنس عند الحاجة من وحشة الفقر وهو مؤنسهم في الليل ورفيقهم في النهار،وهذا أمرٌ طبيعيٌ أن يصبح الدين تجارةٌ مربحةٌ يسرَّها لهم أربابهم،فيصبح الدين هو الحاجة وهو القانون والدولة،والآخر إعتبره سياسةً وإقتصاداً ،من دون مراعاة المصلحة بين مكونات المجتمع الواحد في البلد الواحد،كما يحصل في لبنان المتعدد الطوائف والمذاهب والملل..فالذين يريدون أن يجرَّوا البلد إلى الويلات من حرب ودمار تحت ذرائع دينية وإسلامية لم يعرفوا حديث جدِّ النبي محمد(ص) ولا الحديث النبوي القائل: لجميع الناس أنتم أعلم بأمور دنياكم..... وللبيت ربٌّ يحميه...