"هذه المرة لن تكفي بيانات الادانة لمواقف "حزب الله" ولا للسياسات التي تتبعها وزارة الخارجية لان ما حصل ينذر بكارثة ان لم يجر تداركها واذا كان ممكناً بعد تداركها". هذا الكلام لم يصدر عن أوساط تهوى التهويل والتضخيم بل عن مراجع موثوق بها رصينة بدت في ذروة التخوف من تداعيات خطوة هي سابقة في السياسة السعودية تجاه لبنان وتمثلت كما هو معروف بصدمة القرار السعودي وقف المساعدات السعودية للجيش وقوى الامن الداخلي في سياق قرار المملكة "بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يتناسب مع هذه المواقف ويحمي مصالح المملكة".
وبرزت طلائع الصدمة في قرار وقف هبة المليارات الثلاثة لتسليح الجيش والتي تعد الاكبر في تاريخ تسليحه والتي تقررت في نهاية عام 2013 ولم يتسلم الجيش منها سوى الدفعة الاولى في 20 نيسان 2015 ومن ثم هبة المليار دولار التي تقررت عقب الهجوم المسلح على عرسال في آب 2014 ووضع توزيعها في عهدة الرئيس سعد الحريري. لكن الامر لم يقف عند حدود وقف الهبتين فحسب، بل تجاوزه الى المضمون السياسي للقرار السعودي الذي فنده مصدر مسؤول عبر وكالة الانباء السعودية "واس" الرسمية عازيا القرار الى "مواقف لبنانية مناهضة للمملكة على المنابر العربية والاقليمية في ظل مصادرة ما يسمى "حزب الله " لارادة الدولة كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الاسلامي من عدم ادانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد فضلاً عن المواقف السياسية والاعلامية التي يقودها ما يسمى "حزب الله" في لبنان ضد المملكة العربية السعودية وما يمارسه من ارهاب بحق الامة العربية والاسلامية". واذ قدر المصدر المواقف التي صدرت عن بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بمن فيهم رئيس الوزراء تمّام سلام بوقوفهم مع المملكة، شدّد على "اعتزازها بالعلاقة المميزة التي تربط المملكة بالشعب اللبناني الشقيق والتي تحرص دائماً على تعزيزها وتطويرها".
وقد سارعت دول خليجية مثل الامارات العربية المتحدة والبحرين الى تأييد القرار السعودي، بينما أثار القرار في لبنان عاصفة تداعيات راسماً الكثير من المخاوف والتساؤلات القلقة في ظل الاطار الصارم الذي عبرت عنه السعودية مدللة على جدية غير مسبوقة في المضي في نهج جديد من المواجهة مع الاتجاهات التي يتبعها حيالها "حزب الله" والديبلوماسية اللبنانية ممثلة بوزير الخارجية جبران باسيل وعبره الخط السياسي الذي يمثله. وراوحت المخاوف بين حدين: الأول يتمثل في اعتقاد ان القرار السعودي يشكل صدمة جراحية قاسية ورسالة واضحة بأن ترك لبنان عرضة لهذه السياسات لن يمر بعد الآن من دون أثمان موجعة ولكنها تبقى اجراءات موضعية ولو دفع الجيش جراءها الثمن الأكبر بحرمانه أكبر فرصة لتسليحه وتطوير عتاده وتحديثه. والثاني يذهب أبعد من الصدمة الأولى الى التخوف من ان يكون القرار طليعة قرارات أخرى متدحرجة أثيرت حيالها احتمالات تطوير هذه الاجراءات بما يطاول الدعم المالي للدولة المتمثل بودائع في مصرف لبنان وكذلك موضوع اللبنانيين العاملين في السعودية ودول الخليج. لكن هذا الاحتمال بدا في طور الاستبعاد ولو ان معنيين رسميين وسياسيين تحدثوا عن ضرورة التحرك باقصى سرعة لدى المملكة لتدارك التطور السلبي للامور.

التداعيات الداخلية
وعلمت "النهار" انه طرحت على المستوى الرسمي فكرة دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد إستثنائيا من أجل البحث في القرار السعودي، ولكن صرف النظر عن الفكرة خشية أن يتحوّل المجلس ساحة سجال مما يؤدي الى إنهيار الحكومة التي عادت لتوها الى إستعادة نشاطها بعد أزمتها الأخيرة. كما انه من المستبعد أن يتوحد مجلس الوزراء في إصدار قرار لمناشدة السعودية التراجع عن قرارها في ضوء ما صدر من ردود فعل وخصوصاً عن "حزب الله". ومع طرح اقتراحات منها ان يقوم الرئيس سلام بزيارة عاجلة للمملكة السعودية، سارع رئيس الوزراء الى اصدار بيان جاء فيه ان "الامانة تقتضي القول إن للمملكة العربية السعودية مكانة كبيرة في وجدان اللبنانيين"، كما شدد على ان "أي ضيم يصيب اخواننا في المملكة أو في باقي أنحاء الخليج العربي انما يصيبنا في الصميم"، ليخلص الى "تمني اعادة النظر في القرار الخاص بوقف المساعدات عن جيشنا وقواتنا الأمنية".
أما على الصعيد السياسي، فأعرب الرئيس سعد الحريري عن أسفه وقلقه للقرار "رداً على قرارات متهوّرة بخروج لبنان على الاجماع العربي وتوظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور اقليمية". وذكر بدعم السعودية وكل دول الخليج للبنان حمل بشدة على "حزب الله" آملاً في ان "تنظر المملكة الى ما يعانيه لبنان بعين الأخ الأكبر". ولفت في ردود الفعل الكثيفة التي أثارها القرار قول وزير الداخلية نهاد المشنوق من "ان الخبر الأسوأ ان قرار المملكة هو أول الغيث"، محذراً من "الآتي الأعظم خصوصاً انها المرة الأولى التي يواجه لبنان تحدياً مصيرياً كهذا". ورأى ان "خروجنا عن عروبتنا قد ينزع الغطاء الأخير الذي يتفيأ لبنان ظله ما قد يشرع أبوابنا على العواصف التي تحيط بنا".
لكن رد "حزب الله" على القرار جاء عنيفاً إذ رأى انه قرار متخذ منذ فترة طويلة بسبب "الأزمة المالية الخانقة داخل السعودية"، مكرراً هجومه على المملكة ومدافعاً أيضاً عن وزارة الخارجية اللبنانية، فيما لم تصدر الوزارة أي رد او تعليق على القرار السعودي.
أما في الاطار السياسي الداخلي، فبرز امس تحرك للرئيس الحريري نحو بكركي وطرابلس ومن ثم زيارته ليلاً لرئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط حيث أكد الحريري "التوافق على ان موضوع الرئاسة مهم وحيوي ويجب النزول الى المجلس وانتخاب رئيس للجمهورية"، كما أكد جنبلاط ان "لا مهرب إلا بانتخاب رئيس".

 

اشتباكات!
ولم يمر يوم أمس من غير اشتباكات مفاجئة في السعديات ليلاً بين عناصر من "سرايا المقاومة" وافراد من "تيار المستقبل" سارع الجيش الى تطويقها. وقال مختار السعديات رفعت الاسعد لـ"النهار" ان المنطقة تعرضت لهجوم من "سرايا المقاومة" وعاد الهدوء الى المنطقة بعد تدخل الجيش فيما اتهم مصدر في "السرايا" مسلحين بالتعرض لعناصرها.

الحائط المسدود
الى ذلك، عادت ازمة النفايات برمتها الى نقطة الصفر مع سقوط خيار الترحيل أمس بفعل عجز شركة "شينوك" عن تقديم المستندات الرسمية الروسية المتعلقة بموافقة روسيا على ترحيل النفايات اليها. واذ اكد وزير الزراعة اكرم شهيب تخليه عن مهمة متابعة هذا الملف، تعود اللجنة الوزارية المكلفة إياه الى الانعقاد اليوم برئاسة الرئيس سلام لدرس الخيار البديل وهو اعتماد المطامر. وعلمت "النهار" ان حزب الكتائب رفض الدعوة التي تلقاها للمشاركة في إجتماع اللجنة الوزارية لكي تحدد المطامر التي ستركز عليها بعد فشل حل ترحيل النفايات. وأوضحت مصادر الحزب أن الرفض "جاء من منطلق ألا يكون الحزب شاهد زور، فإذا نجحت اللجنة في مهمتها فسيتم التصفيق لها في مجلس الوزراء، أما إذا فشلت فلن تلتحق الكتائب بالفضيحة في آخرها".