لقد تحوّلت لعبة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية إلى لعبة قديمة وسمجة ومبتذلة، ولم تعد تخدم من يقف خلفها، حتى أنّها لم تعد ذات نفع سياسي، بالخصوص بعد انحصار الترشيحات داخل فريق حزب الله نفسه.
وإن كنت لا اؤمن بجدوى نظرية الإحراج " والزرك" التي يحاول فريق 14 آذار بشقيه القواتي والمستقبلي أن يتذاكى بها على خصمه، لأنّ القضية هنا منتفية بإنتفاء الموضوع أصلاً، فلا قيمة حقيقية بالمعنى السياسي للكلمة من أيّ إحراج مفترض قد يشعر به الحزب ألاّ ذلك الذي قد يضر بمشروعه الإستراتيجي فقط، فلا حراجة ولا إحراج ولا من يحرجون باستمرار الحزب بلعبة الفراغ إذا ما وجد أنّ له مصلحة فيها، فلا هو يخشى من فقدان شريكه "الوجودي"، ولا طبعاً يخاف من مروق مخدوم " لسيد الكل" إلاّ أنّ الإعتقاد هنا أنّ استمرار الحزب بانتهاج لعبة التعطيل بعد مرور حوالي سنتين وانعقاد عشرات الجلسات بحيث يبدو وكأنّه يفتقر لإبداعاته التعطيلية كما هو معهود من مسيرته السياسية باستمرار، هو فقط ما يجعل أنّ مرحلة التعطيل شارفت على نهاياتها، بالإضافة إلى نقطة بغاية الأهمية بالنسبة له تتعلق بمعركته الحقيقية مع المشروع السعودي، فلم يعد الفراغ في مركز مسيحي هو الوحيد بهذا الشرق، يخدم معركته الأساسية، وهو الذي يقدم نفسه ومحوره على الدوام بأنّه حامي المسيحيين والأقليات، مقابل محور يريد اضعاف المسيحيين وتهجيرهم. يحسن التساؤل هنا، عن الآلية التي سوف ينتهجها حزب الله، للخروج من مرحلة تعطيل رئاسة الجمهورية بأقل الخسائر، من أجل الاستعداد للمرحلة القادمة التي لا بدّ منها والمتمثلة بشكل أساسي بتعطيل وصول الحريري هذه المرة إلى رئاسة الحكومة خاصة بعد عودته إلى لبنان وإثبات حضوره بعد غياب طويل.
وهذا يعني بأنّ الحزب في هذه المرحلة هو مضطر للإقدام على خطوات ايجابية، والدخول إلى تفاصيل التركيبة اللبنانية ولكن من باب لم يعتد الدخول منه، ولا هو يعرف تفاصيل ما ينتظره خلفه من دهاليز ومعادلات وحسابات تبدأ بالميثاقية ولا تنتهي بالتوافق فضلاً عن التشعبات الدستورية والقانونية والتي يجهل مفرداتها وأدبياتها. فحزب الله المبدع على الدوام بإشعال الحرائق، وتفجير الجبهات، وقصف المبادارات الوفاقية، والتقنيص على مشاريع القوانين، والكمن داخل التلت المعطل، والتهديد والوعيد بقطع يد مؤسسات الدولة، وشنّ الحروب المدمرة من أجل انتصارات لا تسمن ولا تجلب كهرباء، هذا الحزب المبدع والقوي تراه قاصراً وفاشلاً إذا ما تعلق الأمر بما هو ايجابي وتسووي، لأنّ هذا ليس من صلب اختصاصه ولا هو من اهتماماته اصلاً.
هذه الوضعية التي وجد الحزب نفسه فيها الآن، هي تماما أشبه ما تكون بمرحلة حرب 2006 عندما دعت الحاجة الملحة إلى اجراء تفاوض وتدبير مخارج لم يعتد عليها الحزب، فما كان منه إلا اللجوء الى اهل الخبرة، والاستعانة بالعليم الخبير بفنون تدوير الزوايا، واجتراح الحلول. هذه البديهة المنطقية بعودة الجاهل إلى العالم، تفرض على الحزب الرجوع إلى تقليد الرئيس نبيه بري، فهو وحده من يقدر على نقل حزب الله ومعه البلد إلى مرحلة جديدة نشهد فيها إغلاق لملف الرئاسة، ووحدها فتوى الرئيس بري تستطيع أن تعطي الحكم الشرعي لواقعة الرئاسة.
صحيح أننا ومنذ فترة طويلة لم نعد نسمع عن مبادارت يقوم بها الرئيس بري (باستثناء طاولة الحوار)، وهذا يعود إلى تجارب عديدة كان قد أطلق فيها بري مبادارات ولكنها لم تلق رضى من طرف الحزب، بل عمل على إفشالها على الدوام، مما حدا به إلى الجلوس جانباً عند ما يشبه ضفة النهر والإنتظارهنالك، حتى إذا ما طُلب منه مبادرة انقاذية، كشف حينئذ عن ساعديه وأدلى بدلوه.
وفي هذا السياق ومن باب النصيحة لحزب الله، إن كان يريد الخروج من ملف الرئاسة وإنهاء موضوع الفراغ والهروب من أيّ تبعات خاصة داخل فريقه الحريص أشد الحرص عليه، ليس إمامه إلاّ القول للرئيس بري: أنت وكيلي، والعمل بالمثل المشهور : أعطِ خبزك للخباز ..