أنهى الرئيس تمام سلام أمس عاماً ثانياً من «المعاناة والصبر» في رئاسة الحكومة، هذه الحكومة التي تتولى مجتمعة وبالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية، وسط صعوبات دستورية وسياسية عرضت الحكومة لأكثر من مرّة، وعلى مدى أشهر، من التعثر والتعطيل.
واليوم، تدخل حكومة «المصلحة الوطنية» عامها الثالث ويعلن رئيسها صراحة انه يشعر انه «وحيد» ويحس بنفسه انه «يتيم»، لكنه يؤكد انه «ماضٍ» في تحمل المسؤولية للتقليل من عذابات لبنان، وحرصاً على الحفاظ على حدّ أدنى من الاستقرار لا سيما الاستقرار الأمني.
والسنة الثالثة، والتي يأمل الرئيس سلام الا تطول وتنجح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، امامها تحديات بالغة الصعوبة والتعقيد:
1- أزمة النفايات التي تقترب من نهاية عامها الأوّل من دون حدوث أية معالجة فعلية، فغداً تعود اللجنة الوزارية للاجتماع لوضع يدها على ملف المطامر، فيما لو عجزت شركة «شينوك» البريطانية عن تقديم المستندات الأصلية من وزارة البيئة الروسية حول قبول السلطات الرسمية الروسية استقبال النفايات اللبنانية، ضمن المهلة الرسمية المحددة عند العاشرة من صباح اليوم، فيما يقترب وزير الزراعة اكرم شهيب المكلف بهذا الملف من الخروج منه، بعدما أبلغ مجلس الوزراء رغبته بذلك.
2- الوضع الاقتصادي الذي يواجه نمواً يقف عند درجة الصفر، من دون ان يقترب من حافة الانهيار، لكن المسألة تحتاج إلى إقرار الموازنة التي تنقل لبنان إلى مكان مريح جداً مالياً وسياسياً من وجهة نظر الرئيس سلام الذي أكّد ان وزير المال علي حسن خليل سيتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة الإجراءات الأميركية ضد «حزب الله» ولابلاغ الاميركيين ان لبنان بتشريعاته وباداء حكومته ملتزم التزاماً تاماً بالقوانين المالية الدولية.
مع العلم ان الوفد النيابي اللبناني سيتوجه بدوره غداً إلى واشنطن، في إطار مهمة محددة أهدافها سلفاً وتتكامل مع زيارة الوزير خليل التي لم يُحدّد موعدها بعد.
3- تحديات داخلية تتعلق بممارسة الوزراء والأداء والمناكفات الدائمة بينهم، فاليوم يعقد وزير الخارجية جبران باسيل مؤتمراً صحفياً يتحدث فيه عمّا دار في جلسة أمس لمجلس الوزراء من سجال مع وزير الاشغال غازي زعيتر حول تجزئة الانفاق على الطرق، كما يعقد وزيرالعدل اشرف ريفي مؤتمراً صحفياً لاعلان موقف من موضوع إحالة أو عدم إحالة قضية الوزير السابق ميشال سماحة للمجلس العدلي، كاشفاً عن خيارات سيلجأ لها لحماية العدالة وعدم التفاهم حيال هذا النوع من الجرائم التي تمس الوحدة الوطنية.
4 - مواجهة ما يحصل في إدارات بعض الأجهزة الأمنية والتفتيش المركزي، ووضع المسيحيين في إدارات الدولة، حيث أن تشكيل مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي يتوقف على إنهاء الأزمة داخل جهاز أمن الدولة، في حين أن تشكيلات في بعض الوزارات التي يقف على رأسها وزراء مسيحيون من المتوقع أن تحدث أزمة.
5- أما في ما يتعلق بالنزوح السوري، حيث يستضيف لبنان أكثر من مليون و350 ألف سوري أي ما يساوي 30 في المائة من عدد سكان شعبه، في وضع غير مسبوق في تاريخ إيواء النازحين في العالم، فقد كشف الرئيس سلام أن من إنجازات الحكومة أنها أوقفت النزوح منذ عام ونصف، وأنه شرح لمؤتمر لندن مخاطر ترك الوضع في لبنان على غاربه وعدم تقديم ما يحتاج من مساعدات، باعتباره دولة مضيفة.
وكشف سلام أن لبنان تكبّد خمسة مليارات دولار نتيجة الخدمات الصحية والتعليمية على النازحين، واستهلاك هؤلاء للبنى التحتية من ماء وكهرباء وصحة.
6- وعلى صعيد تسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية بموجب الهبة السعودية، أكد سلام نقلاً عن مسؤولين سعوديين أن لا تراجع عن الهبة، لكن لا يحق لمن يتلقى الهبة أن يسأل الواهب عنها أو يشكك بها، وهي تأتي في إطار إتفاق فرنسي - سعودي - لبناني يمتد لخمس سنوات، مؤكداً أن لبنان يقف إلى جانب السعودية لأنه عربي، وعلى قاعدة «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، وأن السعودية ودول الخليج لم تقصّر يوماً من الأيام في مساعدة لبنان، مشيراً إلى أن إيران دولة صديقة، لكن لبنان لن يكون ضمن الوصاية الإيرانية، مؤكداً أن الحاكم الحقيقي للبلد هو أن تبقى الأمور الداخلية تحت السيطرة.
الحريري: الرئاسة أولاً
وسط هذه التحديات التي تواجه حكومة الرئيس سلام، أشارت الساعات الماضية في ضوء الأجواء التي وزعتها عين التينة، وما بدا يصدر عن لسان النواب من كتل متعددة أن مصير جلسة 2 آذار لن تختلف عن سابقاتها، وأن مسألة الانتخاب تتعدي قضية توفير النصاب إلى تحقيق تقارب سعودي - إيراني مدعوم دولياً، ويمر حكماً عبر هيئة الحوار الوطني.
وفي هذا السياق، شدّد الرئيس سعد الحريري، خلال ترؤسه اجتماعاً للأمانة العامة والمكتبين السياسي والتنفيذي في تيّار «المستقبل» على ضرورة نزول النواب الي المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً الرئاسة أولوية، مشيراً إلى أنه سيواصل الضغط لإنهاء الفراغ الرئاسي، وعدم السماح لأحد بتحوير الأنظار عن هذا الموضوع الجوهري.
وأعلن الرئيس الحريري أن نواب «المستقبل» سيشاركون في كل جلسات مجلس النواب تحت سقف الدستور والديموقراطية، وليربح من يربح، ولن نعطّل، مشدداً على أن تيّار المستقبل لا يمكن أن يمنع عملية التعطيل لكن يمكنه إطلاق المبادرات لتعطيل مفاعيل التعطيل، من خلال تدوير الزوايا لتجنيب البلد أزمات جديدة وحمايته بأي ثمن.
مجلس الوزراء
في هذا الوقت، بدا أن ملف النفايات الذي استحوذ على أربع ساعات من نقاشات مجلس الوزراء عاد إلى نقطة الصفر، مثل حكاية «إبريق الزيت»، من دون أن يفهم أحد من الوزراء ماذا حصل في هذا الملف، الذي اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن لعنته ستظل تلاحق الحكومة.
وأوضح مصدر وزاري ان مجلس الوزراء اتخذ قراراً مبدئياً بالعودة إلى المطامر في حال لم نحصل على جواب مقنع ونهائي من الشركة الموكلة عملية الترحيل.
وقال: صحيح انه حصل تفاهم على المطامر ولكن من غير المعلوم ما إذا كان سيتم الاتفاق على تحديد امكنة للطمر أم اننا سنعود إلى نقطة الصفر.
وكشف عن ان الوزير شهيب طلب اعفاءه من مهمته، لكن أحداً من الوزراء لم يعترض، لذلك عاد الأمر إلى اللجنة الوزارية المكلفة متابعة النفايات والتي ستجتمع عند العاشرة من قبل ظهر السبت.
وبالنسبة لتجزئة عقود نفقة وزارة الاشغال أوضح ان وزير الاشغال غازي زعيتر اعتبر في مداخلة له ان هناك من يشكك في ادائه وأن معارضة الوزير باسيل هي لأسباب سياسية وطلب سحب البند من جدول الأعمال، وكان ردّ من الوزير محمّد فنيش بأن الوزارة هي للجميع وأن الوزير يخدم كل لبنان، فيما أعلن وزراء الكتائب بأنهم ضد التجزئة وطالبوا بتوازن في توزيع الاعتمادات.
اما بالنسبة لجسر جل الديب، فقد أقرّ نتيجة إصرار وزراء التيار الحر وحزب الكتائب، وكان هناك خلاف على التمويل، ففي السابق خصص له 48 مليون دولار، وارتفع هذا السعر 24 مليوناً بسبب الاستملاكات، لكنه اتفق على إقرار المشروع وفق الموازنة السابقة ومع الوقت ينظر بالمبالغ المستجدة.
وفي مقابلته التلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، أكد الرئيس سلام أن كل ما قيل عن تزوير وثائق في ملف ترحيل النفايات هو مجرّد كلام، لافتاً إلى أن التشكيك بلغ حدّ الحرص على البيئة في روسيا أكثر من البيئة في لبنان، كاشفاً إلى أننا تبلغنا من وزارة البيئة الروسية مستنداً بالموافقة على استقبال نفايات لبنان، لكنه كان مجرّد صورة «فوتوكوبي» ولذلك طلبنا الوثيقة الرسمية، وأعطينا الشركة البريطانية مهلة تنتهي في العاشرة من صباح اليوم.
وأوضح اه عندما وصلنا إلى مرحلة متقدمة مع الشركة، طلبنا تحديد الجهة التي سترحل إليها النفايات، فاتصل بي السفير الروسي في لبنان بتاريخ 28 كانون الثاني الماضي، وكان لديه وفد من «شينول وأبلغني انه يدعم ويؤيد هذا الأمر، لكن السفير نفسه عاد في 8 شباط الحالي، وطلب مهلة يومين أو ثلاثة من أجل تأمين الوثائق الرسمية، ولذلك عندما شعرت ان ثمة مراوغة أمهلت الشركة 48 ساعة للإتيان بالأوراق الرسمية.
ولفت إلى انه في موضوع الترحيل لا نتعامل مع دولة بل مع شركات، معتبراً ان الترحيل حتى هذه اللحظة لم يفشل، لكنه إذا فشل فلا بدّ من البحث جدياً في موضوع المطامر الصحية، باعتبارها الحل الوحيد، لكنه أكد انه لن يمضي فرض أمر بالقوة إذا لم تكن القوى السياسية متفقة في هذا المجال.