أعلنت جماعة بوكو حرام مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في خطوة ساعدتها على ترسيخ مكانتها الدولية بعد فشل خيار ذبح الآلاف من النيجيريين في ذلك. وبعد مرور حوالي عام على إعلان الجماعة، ظهرت بعض الأدلة التي تثبت وجود صلة مالية أو فعلية بين الجماعتين.

وأفاد مركز تشاتام هاوس للدراسات أن حركة بوكو حرام متجذرة في الداخل النيجيري لا سيما من خلال الجرائم التي ارتكبتها محليا. ولكن يبدو أن الجماعة لا تتبنى نهج الدولة الإسلامية الرامي إلى السيطرة على المزيد من الأراضي، ولا على مستوى اعتماد الدعاية الناعمة، أو الانخراط في هجمات مباشرة على أهداف غربية. إذ مازال هدف بوكو حرام الأساسي هو إضعاف الدولة النيجيرية وتقويض التماسك الوطني بكل الوسائل الممكنة.

 

مأزق الرئيس النيجيري

 

 

وضع محمدو بوخاري الرئيس النيجيري نفسه في سياق منافسة غير ضرورية مع الحركة عندما قام بالإعلان عن أن شهر ديسمبر 2015 سيكون موعدا نهائيا لوضع حد للصراع مع بوكو حرام والذي دام لفترة طويلة. حيث بدت الغارات الأخيرة المنسقة على قرية دالوري، الواقعة على مشارف مايدوغوري عاصمة مقاطعة برونو في شمال شرق نيجيريا، بمثابة الرد القوي الذي وجهته جماعة بوكو حرام عن إعلان الحكومة النيجيرية بأنها تمكنت من دفع الجماعة إلى التقهقر وأنها على وشك إبادتها بالكامل.

واستمر هجوم مسلحي الجماعة لعدة ساعات، استخدمت فيه القنابل الحارقة والمدافع فضلا عن تنفيذ بعض التفجيرات الانتحارية، وهو ما أسفر عن سقوط 86 قتيلا، من بينهم العديد من الأطفال الذين حرقت أجسادهم بالكامل، فيما أصيب 62 شخصا من السكان على الأقل بحروق بليغة. ولم يتمكن الجيش النيجيري من وقف الهجوم في أولى محاولاته، ولم ينجح في ذلك إلا بعد وصول التعزيزات وتراجع المسلحين.

ومنذ أن تولى الرئيس بوخاري منصبه في مايو عام 2015، كثفت القوات المسلحة النيجيرية عملياتها في شمال شرق البلاد، وقامت بطرد الجماعة من المدن التي استولت عليها، وهو ما أدى إلى عودة بوكو حرام إلى أساليبها القديمة للحرب غير المتكافئة وشن هجمات متفرقة ضد المدنيين. وسجلت قوات الأمن النيجيرية 2608 حالة وفاة على يد بوكو حرام منذ يونيو عام 2015 حتى الآن.

وتوسعت حركة التمرد لتمتد إلى تشاد والنيجر والكاميرون. وقد تم إنشاء فريق عمل مشترك متعدد الجنسيات يتألف من 8700 جندي من هذه الدول إلى جانب البينين، لكن ضعف التنسيق الاستخباراتي في ما بينها جعل العمليات المشتركة هشة وعديمة الجدوى.

وحتى الآن، يبدو أن الدول المجاورة لنيجيريا مشغولة بالقضاء على بوكو حرام في عقر دارها قبل أن تجد طريقا لها إلى مجتمعاتهم، وفي الوقت الذي تسعى فيه نيجيريا إلى تعزيز العملية العسكرية المشتركة، وكل ما من شأنه أن يسفر على تعاون حقيقي.

منذ أن تحولت بوكو حرام في عام 2009 من حركة أيديولوجية متطرفة إلى تنظيم دموي، وإلى طائفة متمردة تفضل نشر الإرهاب من خلال المجازر العشوائية والتفجيرات الانتحارية المتفرقة وعمليات الخطف الجماعي، وعبر ترهيب الناس في شمال نيجيريا، تمكنت الجماعة من استنزاف الموارد الحكومية وفضح نقاط الضعف في مؤسسات الدولة.

وقد استفادت الجماعة في حملة العنف التي تشنها من تعقيدات وهشاشة المشهد السياسي في البلاد، إلى جانب مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة والمصالح المتشابكة.

بعد الانضمام إلى داعش

 

لا يزال غير واضح كيف ستلائم بوكو حرام ديناميكياتها الأساسية بعد الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وتلقيبها بـ”الدولة الإسلامية ولاية غرب أفريقيا”. لكن ذلك، لا يعني هذا أن التوافق الأيديولوجي بين بوكو حرام وأخطر جماعة إرهابية في العالم، ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، هو بمثابة إقامة شبكة إرهابية عالمية ناجحة، ولكن لا يجب الاستهانة بذلك. فهذه الصداقة الأيديولوجية هي نوع من الانتهازية التكتيكية لبوكو حرام، والتي تسمح لها بعرض رؤيتها وعملياتها بهدف جذب الموارد المالية وغير ذلك، من المستثمرين الدوليين في الجهاد العالمي من خلال الوسائل العنيفة.

 
 

في عام 2015، اعتمدت بوكو حرام على رسائل ناعمة للجمهور مستفيدة من التقنيات التكنولوجية. وأثارت الاستراتيجية الإقليمية الطموحة لبوكو حرام بين 2014-2015 المخاوف الدولية بشأن توحيد شامل لهدف داعش. كما أن السيطرة على الأراضي في شمال شرق نيجيريا من شأنه تدعيم وجود الجماعة كفرع للدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، ويرفع من مستوى جاذبيتها لمتطرفين ومتشددين إسلاميين في المنطقة، بما في ذلك المتواجدين في مناطق الصراعات على غرار دول مثل في السودان والنيجر ومالي وليبيا وما يشكله من ذلك من تهديدات خطيرة في المنطقة.

ولكن توسع بوكو حرام إقليميا، لم يستمر واضطرت الجماعة إلى تكييف طموحاتها بكثير من الانتهازية. وفي الوقت الذي يواصل فيه داعش توسيع مساحاته للوصول إلى أجزاء من شمال ليبيا، تراجعت مكاسب بوكو حرام الإقليمية التي حقتقها عبر عدة بلدات تقع في الشمال الشرقي نتيجة لعمليات مكافحة التمرد التي يشنها الجيش النيجيري رفقة الحلفاء الإقليميين.

ولنجاح خطتها من أجل الحفاظ على مكانتها كجزء من دولة الخلافة تحتاج بوكو حرام إلى الاستيلاء على بلدات ذات كثافة سكانية عالية والتي من الصعب وجودها في المناطق التي تقع في شمال شرق نيجيريا، وبالتالي فهي تحتاج إلى مساعدة خارجية لتحقيق هذه الخطة.

يبدو أن بوكو حرام أقل اهتماما الآن بالبراعة الدعائية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وقد ساعد التعتيم الذي يلف الهيكل الداخلي للحركة، في ظل عدم وجود معلومات موثوقة حول تكوينها الفعلي وقيادتها وجوهرها، في تأجيج سحر بوكو حرام والمد في عمرها. ومنذ أواخر سنة 2015، اعتمدت الجماعة تكتيكا في تنفيذ الهجمات الانتحارية، التي لم تكلفها الكثير من الأموال والمعدات والمقاتلين مع الحفاظ على هدفها المحوري وهو بث الرعب.

ورغم احتفال بوكو حرام بشن هجمات على أهداف غربية، إلا أنها لم تظهر رغبتها في تدبير وشن هجوم مباشرة هناك. ولكن لا يمكن استبعاد أن يشارك الأفراد المرتبطون بالجماعة في عمليات إرهابية أبعد من ذلك. وبغض النظر عن التدخل المباشر، سوف تستمر بوكو حرام في تأييد شن الدولة الإسلامية لهجمات مدوية على أهداف غربية.

وعموما، فإن تهديد بوكو حرام للغرب لا يزال غير مباشر. ولكن الاستمرار في تحدي وحدة واستقرار أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد، سيؤدي إلى موجة نزوح غير مسبوقة لـ2.2 مليون شخص، فضلا عن الانعكاسات الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية على المدى الطويل، بالنسبة للمنطقة برمتها. ومن الواضح أن الجماعة قادرة على الضغط على التقدم الذي تحقق بشق الأنفس في المنطقة.