دفعت الضغوط الداخلية والخارجية التي مورست على ميليشيات الحشد الشعبي إلى المناورة والسعي إلى تهدئة خلافاتها مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، وذلك بعرض تسريح ثلاثين بالمئة من مقاتليها لتخفيف تكاليفها على الموازنة.

وقال أحمد الأسدي الناطق الرسمي باسم الميليشيا إن هيئة الحشد الشعبي قررت تسريح 30 بالمئة من مقاتليها بسبب الأوضاع المالية الصعبة في العراق وانعكاساتها على انتظام صرف رواتب المتطوعين شهريا.

وأضاف “سعينا لتقليص الفجوة بين رواتب قوات الجيش العراقي التي تتجاوز مليون دينار عراقي ورواتب متطوعي الحشد التي تصل إلى 500 ألف دينار لكننا لم نتمكن، وبسبب هذا الفارق الكبير قررت الهيئة البدء بعملية تسريح أعداد من المتطوعين، وهو أمر لن يؤثر على فعالية القوات العراقية وعملية تحرير الموصل من سيطرة داعش”.

لكن مراقبين قالوا إن تصريحات الأسدي محاولة لتخفيف موجة النقد الموجهة للميليشيا، وخاصة ما تعلق بها من تهم الفساد، وإظهارها بمظهر من يقدّر الوضع الصعب الذي يعيشه العراق بسبب تدني أسعار النفط في الأشهر الأخيرة.

وكان العبادي قد ألمح إلى وجود فساد داخل الميليشيا، وأن “هناك فضائيين يتقاضون رواتب في الحشد بدلا من المقاتلين المجاهدين في ساحات المعركة”.

ومن الواضح أن قيادة الحشد أرادت، بقرارها المناور بتسريح 30 بالمئة من مقاتليها، أن تقول للعبادي إنها استجابت لدعوته إلى التخلص من جماعات مارقة عن الدولة وتتستر بالميليشيا الشيعية.

ولم يكن كلام رئيس الوزراء العراقي سوى تتويج لاتهامات واسعة لقيادات الحشد بتضخيم عدد المقاتلين للحصول على الآلاف من الرواتب الخيالية، فضلا عن وجود مقار وتكاليف وهمية تدفع الحكومة أموالها.

ويخطط الحشد للتضحية بقيادات من الصف الثاني وبمقاتلين للتغطية على تهمة الفساد وعلى الجرائم الطائفية التي تنسب إليه وتسبب في فيتو أميركي يعطل إلى حد الآن مشاركته في محاربة داعش.

وأشار المراقبون إلى أن التخلي عن المتورطين في الفساد وفي الجرائم ذات المنحى الطائفي، يهدف أيضا إلى تسهيل مهمة إدماج مقاتلي الحشد في القوات العراقية، وفي الجيش، بعد أن فشلت الميليشيا في تهميش القوات الحكومية وخوض الحرب بدلا عنها في مواجهة داعش.

وكما يبدو، وفي ظل الأزمة المالية، فإن زعماء الحشد الشعبي قد اتخذوا قرارا بعقد هدنة مع الحكومة في انتظار ما يمكن أن تؤدي إليه محاولاتها لتقديم حلول للأزمة، وبالأخص أن هناك إشارات إلى قرب وقوع تغيير وزاري قد يطيح بشخصيات تحولت إلى رموز لتثبيت نظام المحاصصة.

وأشار المتحدث الرسمي باسم هيئة الحشد الشعبي إلى أن “مشاركة الحشد في المعركة المقبلة لتحرير الموصل مرهونة بقرار فردي من حيدر العبادي”.

وأضاف أن “فصائل الحشد الشعبي لا تتلقى أوامرها من أيّ مسؤول سياسي داخل العراق أو خارجه، نحن مرتبطون مباشرة برئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة وهو من يحدد حركة الحشد”.

واعتبر أحد المراقبين السياسيين هذا التصريح بأنه “يعد تنازلا كبيرا يقدمه الحشد لسلطة رئيس الوزراء”، مضيفا: “غير أن ذلك التنازل ما كان له أن يقع لولا الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، ولا علاقة له بالانتقادات التي وجهها العبادي للحشد".

غير أن مشاركة مقاتلي الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل لا تزال تصطدم برفض جهات عراقية عديدة، تبدي مخاوفها من تكرار ما حدث في تكريت وديالى من جرائم طائفية اتهمت بها فصائل تنتمي إلى الحشد الشعبي.

وكان أثيل النجيفي محافظ الموصل السابق وقائد (الحشد الوطني) قد أكد على أن “مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل ستقود إلى حرب طائفية في المدينة”.

ودعا زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي قيادات الحشد إلى محاسبة من أسماهم بالدخلاء وضعاف النفوس ممن يمارسون أعمالا وانتهاكات تسيء إلى سمعة الحشد.

وأشار علاوي في بيان أصدره مكتبه إلى ضرورة “دمج تشكيلات الحشد الشعبي ضمن الجسم المؤسسي للدولة، في القوات المسلحة وأجهزة الأمن والدوائر المدنية، اعتمادا على قواعد التجنيد وأهلية وقدرة الراغبين وطبقا لما رسمه الدستور”.

 

المصدر العرب