لا يحتاج الصحافي الكبير محمد حسنيين هيكل الى شهادة في التوصيف السياسي وقبل الاعلامي باعتباره صيتاً لامعاً في سماء الصحافة العربية ولاذعاً للأسماع في مدحه ونقده لتجارب النخب العربية وإن كان اللاذع في غير أوانه .
غادر الصحافي هيكل دنياه الى آخرة ستتوقف كثيراً عند ما قاله وكتبه كاتب تجاوز حدود المهنة ليتصل بأسماء أكبر من صحافيين ناجحين وليرتبط بحقبة تاريخية شاهدة عليه وعلى دوره في هزيمة نكراء حاول جاهداً اعطاءها رخصة النصر القومي من قبل الانقلاب عليها وتهميش مساحة الحماس فيها لمّد عربي وقع في خروم شباك الأنظمة العسكرية .
ربما التعاطي مع هيكل كحقبة تاريخية واحدة فيه ظلم كبير له فهو تدرج في مواقفه وفي التباساته تدريجياً ولا يمكن التعاطي معه من نشأته التأسيسية على قواعد عمل مهني وسياسي ووصوله الى لعبة القرار في أكبر دور عربي بقيادة مصرية ناصرية وصولاً الى مرحلة البيع والشراء في السياسات العربية وبالتالي يمكن موازاة ذلك مع بضاعته المكتوبة والتي أسهمت في تهميش أو تجيش المواطن العربي لصالح الارادة السياسية المتحكمة بمسارات الأمّة العربية. بتقديري أن أحداً لا يجادل بأهمية هيكل ككاتب وكصحافي ولكن الجدال يقع في هيكل السياسي الذي وظف الاعلام لصالح السياسة أيّ أنّه رهن المهنة لصالح أدوات الاستعمار والاستحمار من قبل نًخب سلطوية سواء كانت في السلطة أم في المعارضة العربية .
لقد بالغ هيكل في الحديث الخاص عن الرئيس المصري عبد الناصر وبطريقة روائية مشابهة تماماً لمرويات أبي هريرة عن النبيّ محمّد (ص) بحيث أننا لو جمعنا العمر الذي جمع هيكل بعبد الناصر لتبين قصر عمر العلاقة الخاصة بين الاثنين مقابل السرد السياسي الروائي عن خصوصيات عبد الناصر وقد كرر ذلك مع الرئيس أنور السادات اذ روى عنه ما يفيض عن وعاء العلاقة التي جمعتهما .
هذه المبالغات الهيكلية جعلته وبحق أبو هريرة الاعلام أيّ أنّ هناك قدرة هائلة على تقوّل ما لم يقله الرؤساء المصريين وآخرين من ملوك وأمراء وأرباب عرب وهذا ما صنع منه روائي جدير وقادر على تحويل الخفايا في السياسة العربية الى حقائق قابلة لولادات خفايا اخرى أكبر منها .
سيطر قلم كما لسان هيكل على المواطن العربي وكانت تأثيراته كبيرة جداً وقد استخدمت مواقفه للدلالة على نزاهة أو حقارة رموز عربية فردية أو مؤسساتية وبات في مراحل سقوط القلم الراوي الأول للأحداث العربية على الشاشات التي عمدت الى توثيق ما في خيال هيكل من معلومات ازدحم بها العقل العربي ونتج عن ذلك أزمة سير خانقة أدّت الى حوادث هائلة .
طبعاً استحضار سلبية تموضع هيكل في الخارطة السياسية العربية لا يلغي ايجابياته المعروفة في المهنة وخارجها الاّ أننا نحتاج فعلاً الى تراخيص تجوّز ضرورة الجدل والنقاش في حياة أشخاص و أفكار تمّ استبعادها عن التداول لكسر ارادة النقد في تاريخ مزيف تبدو الهزائم فيه أشرف بكثير من دعوات الانتصار.