إن التحديات التي نحياها , والتي تحيط بحياتنا اليومية , على الصُعد كافة , تخلق مادة للجدل والنقاش والحوار , مادة يومية في تحوّل مستمر , وتغيّر دائم , وتخضع عادة للمعطيات والظروف المحيطة بها , والمستجدة دائما تبعا للحدث ونوعه .
أبرز مادة اليوم للنقاش والجدل , هي مادة السياسة , والعمل السياسي , والظروف السياسية التي تمر بها البلاد , وما يتفرّع عنها , ويتعلّق بها , من تداعيات أمنية وإقتصادية وإجتماعية وإلى ما هنالك من تداعيات أخرى .
وإذا كان ثمة وظيفة للنقد والناقد , في هذه الحالة , فهي المساعدة على إيجاد رؤرية أو شكل من أشكال العمل السياسي الصحيح والواضح , المرتبط بحياة الناس مباشرة , والمؤثر بشكل فعلي على سلوكياتهم الذاتية والغيرية , ويهدف إلى تحسين الاداء السياسي والاجتماعي بما فيه مصلحة الشعوب , من أجل تكوين وتشكيل وتأسيس حاضر ومستقبل ينعم فيه الجميع بشيء من الاستقرار كمقدمة لبناء علاقات سياسية وإجتماعية وإقتصادية تعود بالنفع على إنساننا , الذي أنهكته التجاذبات , وأخذت به إلى اللاإستقرار النفسي قبل كل شيء , وبالتالي ضياع واضح للإنسان في مجتمعاتنا وكأنه في حالة هروب من كل شيء إلى كل شيء , وفي كل الاتجاهات , وأدخلته في فوضى فكرية وثقافية وايضا فوضى على المستوى الروحي , حيث أنه إمتلأ قلبه حقدا وكراهية , وفاعلية لكل شر .
وللعمل النقدي , وللناقد , دور مهم هنا , للكشف عن الخلل الحاصل والمُسبب لكل تلك المآسي , وعليه أن يعمل بجرأة من أجل تصحيح ما أمكن , وعلى كاهله تقع مسؤولية الإضاءة على القصور والتقصير , وتلمّس التخاذل والاشارة إليه بوضوح وجرأة .
هذه هي وظيفة الناقد , وهدف النقد , وليس هناك نقد لذاته , بمعنى أنه ليس هناك هدفا للنقد في ذاته , بل هو عمل يعكس الوعي للحظة , والوعي للحدث والحقيقة , فيقرأ ويتابع , ويقارن , ويستنتج , ويحكم ويقرر ويقول , بحركة حرة , تلتزم حدود مصالح وأهداف المسيرة الانسانية , وحدود ثقافة النقد وآلياته العلمية والمنهجية , من أجل حرية الانسان وتقدمه وسعادته وتوعيته لحقوقه وواجباته .
لا تخجلوا من النقد , ولا تخافوه ,لأي شيء كان , سواء كان للقول أو للفعل , لأنه تصويب وتصحيح وبلورة للافكار والمفاهيم والواقع , واللانقد هو خذلان للحقيقة و إمعان في إنحراف المنحرف , ومَن لم يسمع نقدا لقوله أو لفعله , يُمعن في الخطأ , ويستبد برأيه ويظلم . ولا يخاف من النقد إلا الظالم , والمستبد , لأن النقد يُعريه ويكشف أخطاءه وإنحرافه , وصاحب الحق والعادل لا يخشى نقدا , بل يشجعه ويمدحه ويُقرّب إليه الناقد الناصح الامين , ويُبعد عنه المادح الكذاب الذي يُحسّن له كل أقواله وأفعاله .