«سعد الحريري يريد رئيس جمهورية مهما كلف الأمر».
هذا الإصرار هو للرئيس سعد الحريري، أكده من عين التينة ليل أمس، بعد لقاء الرئيس نبيه برّي، وقبل ان يتناول الرئيسان طعام العشاء، ويستكملان البحث في كيفية إنهاء الشغور الرئاسي، ضمن «توافق وطني»، كما كشف النائب سليمان فرنجية من «بيت الوسط» حيث وصل ظهراً إلى هناك، آتياً من طاولة الحوار، مقدماً التعازي باستشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومهنئاً رئيس تيّار المستقبل بسلامة العودة، ويتناول الاثنان «طبق الرئاسة» في جلسة مركزة، ثم طعام الغداء.
غطت الجهود التي يقودها الرئيس الحريري للانتهاء من الشغور الرئاسي، على ما عداها، وإن كانت طاولة الحوار المخصصة أصلاً لجدول أعمال على رأسه الانتخابات الرئاسية، وفي الجلسة رقم 15 ابتعدت عن هذا الموضوع، وكادت تغرق في «فضيحة» النفايات قبل ان تلملمها ردود الرئيس تمام سلام الذي أكّد، رداً على ما أثاره الرئيس برّي، انه أعطى مهلة 48 ساعة لشركة «شينوك» البريطانية لابراز الأوراق الرسمية المطلوبة عن طريق مجلس الإنماء والاعمار.
وأكدت مصادر السراي لـ«اللواء» ان الرئيس سلام سيثير هذا الملف في جلسة مجلس الوزراء اليوم، من خارج جدول الأعمال، لأنه لا يجوز ان تستمر النفايات منتشرة على الطرقات، من دون إيجاد حل، بعد ان استفحلت بسبب الأزمة السياسية وعرقلت أي اقتراح قدم من اللجنة الوزارية المكلفة هذا الملف، وعلى الجميع تحمل المسؤولية الوطنية لإيجاد الحلول المناسبة، لا سيما إذا ثبتت صحة فضيحة الترحيل.
وعلمت «اللواء» من مصادر مطلعة ان وزراء متورطون مع شخصيات روسية، وربما وزراء روس، في فضيحة «شينوك»، واصفة هذا التورط بأنه يجري «على الطريقة اللبنانية مع مافيات روسية».
وبصرف النظر عن مجريات النقاش في مجلس الوزراء اليوم والقرارات التي ستتخذ، فإن هذا الملف تحول إلى ملف سياسي بكل معنى الكلمة، وبات مرتبطاً بالاستحقاق الرئاسي، في ضوء إعادة تبادل الاتهامات ووضع العراقيل ومنع الحكومة ورئيسها والوزير المكلف اكرم شهيب من تنفيذ ما يمكن تنفيذه من قرارات سابقة، سواء في ما خص مطمر الناعمة أو سرار او«الكوستا برافا» أو مطامر أخرى.
اما وزير الاقتصاد الان حكيم فأكد «للواء» انه سيطلب  في جلسة اليوم اعادة النظر في هذا الملف خصوصا ان حزب الكتائب كان اول من اعترض على موضوع الترحيل حتى ان وزراءه اعترضوا في الجلسة الماضية على التمويل لكنهم لم يودوا عرقلة قرارات الحكومة.
وشدد حكيم على ضرورة ايجاد حل لهذا الملف والعودة الى خطة المطامر التي تبقى الافضل والاوفر اذا صدقت نوايا الجميع وتكاتفوا لحل هذا الملف الذي اعتبره بانه فشل بسبب سوء ادارته.
«بوانتاج» أم لقاء؟
في هذا الوقت تتابع الأوساط السياسية والديبلوماسية باهتمام بالغ وقائع إتصالات الرئيس الحريري ضمن أسئلة ثلاثة:
1- هل عاد الرجل بتفاهم عربي - دولي - إقليمي ضمني لوضع الرئاسة الأولى على سكة الإنتخاب؟
2- هل عملية الإنتخاب ستجري في جلسة 2 آذار وفق عملية حسابية، انطلاقاً من الكتل التي أعلنت صراحة أن مقاطعة الجلسات ليست حقاً دستورياً، وأنها ستشارك في الجلسة وتقترع لمن تراه مناسباً من بين ثلاثة مرشحين هم النواب سليمان فرنجية وميشال عون وهنري حلو؟ واستطراداً هل يمكن لمجموع أعداد الكتل أن تصل إلى 86 نائباً يشكلون النصاب الذي يسمح بعقد الجلسة وإجراء الاقتراع الذي يعني حكماً فوز فرنجية رئيساً للجمهورية؟
3- أم أن النصاب هو نصاب سياسي يتوفّر من خلال لقاء بين الرئيس الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في خطوة تعمل أكثر من جهة محلية وخارجية على ترتيبها، إذا ما تبيّن أن التفاهم الإقليمي - الدولي بات يقضي بإنهاء الشغور الرئاسي، بعيداً عن تعقيدات الأزمة السورية والخلاف السعودي - الإيراني؟
وإذا كان الوقت الفاصل عن جلسة 2 آذار هو أقل من أسبوعين، فإن المعلومات تؤكد أن تكثيفاً للإتصالات يحصل على أكثر من صعيد لتحقيق خرق ما، خاصة بين تيّار «المستقبل» و«حزب الله»، من دون أن يعني التخلي عن النائب ميشال عون الذي وجهت إليه موسكو دعوة لزيارتها الأسبوع المقبل، في زيارة لها صلة مباشرة بالوضع في سوريا ولبنان، وعلى خلفية معلومات أن الروس يدعمون وصول فرنجية إلى الرئاسة الأولى.
وتوقفت المصادر النيابية عند مؤشرين:
الأول يتعلق بوقف الحملات بين «المستقبل» و«حزب الله».
والثاني امتناع الحزب عن الخوض علناً في مجريات الملف الرئاسي، مما يعني في رأي هؤلاء أن القنوات السرّية تعمل لصياغة تقاربات وتفاهمات لا تقتصر على «المستقبل» و«حزب الله»، بل تشمل أيضاً «التيار العوني».
إلا أن مصادر ديبلوماسية أوروبية تتابع عن كثب الاتصالات نصحت بتجنّب التسرّع في إصدار التكهنات حول ما يحدث نظراً لحساسية المحاولة الجارية لإنتاج تسوية سياسية تشمل الرئاسة الأولى وما بعدها، سواء دخلت سوريا في هدنة مفاوضات جنيف، أو بقيت العمليات العسكرية مستعرة هناك.
الحريري عند برّي
وفي هذا السياق، كان لافتاً للاهتمام الموقف الذي أطلقه الرئيس الحريري من عين التينة، حيث أكد أن الانتخابات الرئاسية ليست أكبر من لبنان، وأن الموضوع بيد اللبنانيين، مكرراً دعوته النواب جميعاً للنزول إلى مجلس النواب للانتهاء من هذا الوضع، مشدداً على الحق الدستوري في النزول إلى المجلس ونبقى فيه يوماً أو عشرة حتى انتخاب رئيس للجمهورية.
وبالنسبة لموضوع عودته إلى رئاسة الحكومة، نفى الرئيس الحريري أن يكون قد فاتح النائب فرنجية بهذا الموضوع عندما التقاه في باريس، موضحاً أن فرنجية هو الذي تكلم في الموضوع، وهو الذي اقترح، بينما نحن في تيّار «المستقبل» لا نربطه بالموضوع الأساسي وهو انتخاب الرئيس.
ولفت إلى أن رئاسة الحكومة تتعلق بالاستشارات النيابية «ولا أحد يحطّها فيي»، مضيفاً: هل ترونني راكضاً لكي أصبح رئيساً للحكومة؟ لكنه قال رداً على سؤال آخر: «أعود بشروطي لا بشروط أحد».
فرنجية في «بيت الوسط»
اما النائب فرنجية الذي زار «بيت الوسط» ظهراً، فقد كانت له مواقف واقعية أكدت وجود نظرة مشتركة بينه وبين الرئيس الحريري حيال الواجب الديمقراطي والاستحقاق الرئاسي، لكنه لفت بالنسبة إلى حضوره جلسة 2 آذار، بأنه «ينسق مع حلفائه، وانه لا يقوم بشيء الا بالتنسيق مع الحلفاء، موضحاً انه يعتبر «التيار الوطني الحر» حليفاً، مع ان الأمور معه ليست في أحسن حال.
ومع ذلك شدّد فرنجية على انه لن يكون هناك رئيس جمهورية في لبنان لا يحظى بالتوافق الوطني، لكنه اعتبر ان فرص وصوله إلى رئاسة الجمهورية متساوية مع غيره، معلناً انه يرفض الانسحاب من السباق الرئاسي لاحراج الرئيس الحريري، قائلاً: ليست هوايتي ان احرج شخصاً كان وفياً وشهماً معي وذا اخلاق عالية في ترشيحي، مؤكداً انه طالما هناك كتل ايدت ترشيحي فأنا موجود ولن أتراجع.
حوار عين التينة
وخارج هذه «الطبخة الرئاسية الهادئة»، تفجر سجال ساخن بين رئيس الكتائب النائب سامي الجميل وكل من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد ورئيس التيار العوني الوزير جبران باسيل، مما يعني ان طبخة التسوية تحتاج لبعض الوقت لكي تنضج، لا سيما وأن التوجه يقضي بتحقيق ما يشبه التفاهم الوطني الواسع على صيغة رئاسة وانتخابات تريح الحياة السياسية وتفتح الباب امام نشاط في كل الاتجاهات للخروج من التردي الاقتصادي والسياسي والخدمات.
وفي المعلومات، بحسب ما أوضح مصدر نيابي شارك في جلسة الحوار الوطني في عين التينة، ان ملفين ساخنين اقتحما الجلسة الخامسة عشرة أمس، فيما كاد ملف الاستحقاق الرئاسي يغيب لولا مداخلة النائب الجميل الذي طالب بالعودة إلى جدول أعمال الطاولة، ومن ضمنه رئاسة الجمهورية، فوافقه الرئيس برّي والرئيس فؤاد السنيورة، وتقرر بناء لذلك العودة إلى جدول الأعمال في الجلسة التي تحدد موعدها في 9 آذار المقبل.
ولم يخل الأمر من جدال جرى بين الجميل وكل من الوزير باسيل والنائب رعد، بدأ عندما قال الجميل انه لم يعد جائزاً ان تبقى الرئاسة شاغرة ولا ننتخب رئيساً، خاصة بعد ان بات لدينا ثلاثة مرشحين، داعياً إلى ضرورة ممارسة واجبنا الدستوري على أساس ديمقراطي، لافتاً إلى ان مقاطعة الجلسات لم تعد دستورية.
فرد النائب رعد قائلاً: «لا تفكروا بأن تجبرونا على النزول إلى المجلس لانتخاب الرئيس الذي تريدونه، يجب ان نتفاهم أولاً، ودعا إلى الاحتكام إلى الدستور وعلى قاعدة الثلثين وليس على أي شيء آخر».
اما باسيل فاعتبر ان المقاطعة أمر دستوري وميثاقي، لافتاً إلى ان هناك مرشحاً يتمتع بالاغلبية المسيحية وأن تجاهله ضرب للميثاقية.
وكان ملف النفايات اقتحم طاولة الحوار على خلفية المعلومات عن وثائق مزورة قدمت لمجلس الإنماء والاعمار لتبرير ترحيلها إلى روسيا.
وكانت للرئيس سلام مداخلة لفت فيها إلى ان هناك غموضاً في هذا الملف وقال انه أعطى المعنيين مهلة 48 ساعة لابراز الأوراق الرسمية المطلوبة.
ولفت سلام إلى انه تحادث في الأمر مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عندما التقاه في ميونيخ، وانه على علم بهذا الموضوع وأن لا مشكلة بترحيل النفايات إلى روسيا، كما أنه تحادث مع السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين الذي أبلغه انه ليس على علم بموضوع التزوير الا من الإعلام.
وكشفت معلومات عن مشادة حصلت بين الرئيس سلام والنائب طلال أرسلان في شأن مطمر الناعمة، عندما أشار رئيس الحكومة إلى انه طلب مساعدة تركية في موضوع النفايات، فقال له الوفد التركي: لديكم «روز رايس» المطامر في لبنان وتطلبون مساعدتنا (في إشارة إلى مطمر الناعمة).
فرد ارسلان: إذا كنت تقصد الحديث مجدداً إلى «الكوستا برافا» فروحوا خيطوا بغير هالمسلة.
اما موضوع النازحين فقد أثاره الرئيس نجيب ميقاتي، متهماً الحكومة بالتقصير في هذا الملف، متسائلاً عن المرجعية اللبنانية المكلفة بهذا الموضوع، فإعترض الرئيس سلام مشيراً إلى ان لدى لبنان ورقة متكاملة سبق ان قدمها إلى مؤتمر لندن، وأن معظم الوزراء مطلعين عليها، وتتضمن كل المعطيات عن أوضاع النازحين وهناك خطة لتأمين فرص عمل للبنانيين والسوريين، وبينهم 250 ألف تلميذ  يحتاجون للدخول إلى المدارس الرسمية، بينما لا يتجاوز عدد الطلاب اللبنانيين الـ200 ألف طالب، مشيراً إلى ان المساعدة المالية التي قررها مؤتمر لندن للبنان لم تتحدد بعد.
واستغرب سلام في سياق رده على الرئيس ميقاتي ان يكون اتهامه للحكومة جاء نتيجة قراءة خبر في إحدى الصحف ضمن «اسرار الالهة» نقلاً عن مرجع أمني، قائلاً إذا كنت تقصد وزير الداخلية، فإنه مطلع على ورقة لندن.
لجنة البيئة
إلى ذلك، أكدت مصادر نيابية في لجنة البيئة انه تبين للنواب خلال النقاش في ملف ترحيل النفايات ومن خلال الوثائق التي عرضها الوزير اكرم شهيب ان لا تزوير في المستندات، بل ان الوثائق المطلوبة من الجانب الروسي والتي يجب ان تأتي موقعة من وزارة الخارجية والبيئة والسفارة اللبنانية في روسيا لم تصل بعد.
وعلم ان رئيس الحكومة خلال حديثه مع لافروف واتصال مع السفير الروسي خلال جلسة الحوار امهل روسيا مُـدّة 48 ساعة لتأتي بالتواقيع الرسمية المطلوبة وأن زاسبيكين الذي استاء من الفوضى الحاصلة وعد خيراً.
وأشارت المصادر إلى ان شهيب لوح بالاستقالة من مهامه في اللجنة في حال فشل الأمر وأكدت في المقابل ان الورقة التي حكي انها مزورة لا علم للسفارة اللبنانية في روسيا أو للسفير بها.