أن يصاب المواطنون بعمى الحقائق الضائعة فهذا أمر معتاد في لبنان بل يشكل العلة الكبرى المسببة لهوة لا قعر لها بين اللبنانيين وسياسييهم ومسؤوليهم. أمّا أن تتخبط "الدولة" والحكومة والقوى السياسية في "لغز" ضياع الحقائق المتعلقة بصفقة ترحيل النفايات بين بيروت وموسكو كما يحصل منذ ثلاثة أيام، فهذا لا يعكس إلاّ حقيقة واحدة هي انهيار الحد الادنى الاخير من مفهوم السلطة المسؤولة في ظل الواقع الانتقالي الراهن الذي تمدد معه الفراغ
الى باقي مفاصل السلطة والمؤسسات.
اقتحمت هذه المسألة التي تشي بريبة فضائحية او "مافيوية" ضائعة كما يتردد على نطاق واسع المشهد الداخلي بقوة لتطغى على الحركة السياسية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي والتي تواكب اللقاءات المتواصلة للرئيس سعد الحريري منذ عودته الى بيروت الاحد الماضي. حتى ان انفجار هذه المسألة على نحو واسع اقتحم أمس أعمال هيئة الحوار الوطني وبدل جدول أعمالها مثلما يتوقع ان يفرض نفسه بندا طارئا اليوم على مجلس الوزراء. ووسط حدين شديدي التناقض من المعطيات وتخبط في الحديث عن مهلة 24 ساعة أو 48 ساعة لانتظار التدقيق في موضوع الوثائق "المزورة " التي ان ثبت تزويرها ستطيح عملية ترحيل النفايات الى روسيا والخارج وتعيد ملف أزمة النفايات برمته الى نقطة الصفر، تفاقمت تداعيات هذا التطور الذي من شأنه في الحدود الدنيا فتح ملفات المساءلة عن حقيقة تمرير عملية تلزيم لشركة نسجت حولها شكوك متعاظمة ومن ثم برزت وقائع تتصل بأمور مريبة في الجانب الروسي أيضاً وكانت الحصيلة أن وقعت البلاد مجدداً في دائرة مفرغة وسط تفاقم بالغ الخطورة لأزمة النفايات المتمادية منذ سبعة أشهر.
وتنقل ملف النفايات أمس بين طاولة الحوار في عين التينة وطاولة لجنة البيئة النيابية. ففي إجتماع الحوار، كما علمت "النهار"، أبلغ رئيس الوزراء تمام سلام المجتمعين أنه إلتقى على هامش مؤتمر ميونيخ الاخير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وبحث معه في قضايا ذات إهتمام مشترك، وقد بادر الوزير الروسي الى إبلاغ الرئيس سلام إهتمامه بملف النفايات وبأن تساهم روسيا في حل ترحيلها الى أراضيها. وتوقع الرئيس سلام أن تتضح الامور خلال 48 ساعة، أي غداً.
أما في إجتماع لجنة البيئة النيابية التي إنعقدت برئاسة النائب مروان حمادة وحضور وزير الزراعة أكرم شهيّب بصفته الوزير المكلف ملف ترحيل النفايات ومجلس الانماء والاعمار وأعضاء اللجنة، فقد علمت "النهار" ان الوزير شهيّب أبرز نسخة عن كتاب موقّع من وزير البيئة الروسي وآخر من الشركة الوطنية للبيئة في روسيا المكلفة التعامل مع الملف البيئي في روسيا يفيد أن لا مانع لديها أن تكون الشركة الروسية مقاولاً بالباطن مع شركة "شينوك" لطمر النفايات الاتية من لبنان في روسيا. وتوقعت مصادر اللجنة في ضوء هذه المعطيات أن يتضح الخيط الابيض من الخيط الاسود في الملف خلال ساعات كي يحسم ما إذا كانت المستندات مزوّرة أو غير مصادق عليها. ولفتت الى أن هناك تواصلاً بين "لوبي" في لبنان و"لوبي" في روسيا تجمعهما مصلحة مشتركة هي الضرر من إنجاز صفقة الترحيل.

موقف كتائبي
وعلمت "النهار" أن وزراء حزب الكتائب يتجهون إلى إعلان موقف اعتراضي كبير خلال جلسة مجلس الوزراء تواكب "انتفاضة" رئيس الحزب النائب سامي الجميّل بعد جلسة الحوار الوطني على ما آل إليه موضوع النفايات، والأرجح أنهم سيطلبون التوقف عن الكلام على ترحيل النفايات بعدما ثبت عدم جدواه، والعودة إلى خطة الوزير أكرم شهيّب السابقة ومباشرة تطبيقها من دون أي تأخير، وذلك في موازاة إعطاء البلديات فوراً أموالها المستحقة من عائدات الخليوي تطبيقاً للمرسوم الصادر في هذه الشأن كي تتمكن من التصرف على قاعدة الخطة اللامركزية التي أقرّت سابقاً ولم يُطبّق منها أي بند.
وانتقد متابعون بدقة لأزمة النفايات عدم إحالة المعنيين في شركة "شينوك" على النيابة العامة بسبب تقديم مستند مزور على ما أكد المسؤولون الروس رسمياً، وفسروا إمهال الشركة 48 ساعة بدل 24 ساعة وفقاً لما اتفق عليه في جلسة الحوار، بالرغبة في تمرير جلسة مجلس الوزراء اليوم من دون بحث في موضوع النفايات. كذلك انتقدوا عدم استبعاد "شينوك" لأنها لم تقدم المستند الذي يثبت موافقة بلد المقصد على استقبال النفايات قبل 29 كانون الثاني الماضي، بل قدمت مستنداً مزوراً كأنه لم يكن. وتقدمت "حملة بدنا نحاسب" أمس باخبار لدى النيابة العامة التمييزية عن تزوير مستندات في موضوع ترحيل النفايات. وقال وكيل الحملة المحامي واصف الحركة إن ثمة دعاوى مقامة في حق شركة "شينوك" وشقيقاتها في الخارج مثل الصومال وليبيا. وسأل: "كيف يمكن صرف 50 مليون دولار لمجلس الانماء الاعمار وهو غير ذي صلاحية؟ اضافة الى ان شركة "شينوك" غير مسجلة في بريطانيا وهي شركة صغيرة رأسمالها 30 الف باوند ومصنفة انها صغيرة. فما هي الضمانات التي قدمتها شينوك؟ وكيف تدفع البند الجزائي عند الاقتضاء؟".

 

الحركة الحريرية
أما في المشهد السياسي، فظلت الاهتمامات مركزة على حركة الرئيس الحريري. وعلمت "النهار" ان قرار النائب سليمان فرنجية المشاركة في جلسة 2 آذار أوجد معطيات جديدة في السباق الرئاسي مما يفتح الباب على البحث في نصاب الجلسة وتوفير إمكان إكتماله. ولعل هذا ما يفسر الاعتراض من "التيار الوطني الحر" على أي خطوة تستهدف الميثاق. وفيما تردد ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون يعتزم القيام بزيارة لموسكو الاسبوع المقبل تلبية لدعوة للمشاركة في مؤتمر دولي، حل النائب فرنجية أمس "مرشحاً" وضيفاً في "بيت الوسط" وسط حفاوة واضحة من الرئيس الحريري الذي جدد التزامه ترشيح رئيس "تيار المردة". واعلن فرنجية بعد لقاء طويل والحريري رفضه طلب انسحابه من المعركة الانتخابية، معتبراً ان هذا الطلب فيه "احراج للحريري وهذا الأمر ليس من هوايتي فالحريري كان آدمياً وشهماً وواضحاً في مواقفه ولن أحرج أحداً في تبني ترشيحي وطالما هناك كتل تؤيدني فانا مستمر بترشيحي".
واستكمل الحريري مساء لقاءاته بزيارة عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، مجدّداً دعوته للنزول الى المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية. ورفض القول إن موضوع الرئاسة أكبر من لبنان مؤكداً انه "بيد اللبنانيين وعلى الجميع النزول الى المجلس لننتهي من هذا الوضع". وتحدث للمرة الاولى عن موضوع ترشحه لرئاسة الوزراء فقال: "هل ترونني راكضاً لأصبح رئيساً للحكومة؟ هناك نواب يقررون في الاستشارات من هو رئيس الوزراء "وما حدا يحطها فيي". سعد الحريري يريد رئيساً للجمهورية مهما كلف الامر". لكنه اكد انه اذا طلب منه تولي هذه المهمة فسيتولاها.