كالعادة في سهراتنا التي تجمع المحبين والطيبين، ومن بينهم شيخ وسيد، وبالتالي عند حضور العمامة السوداء تكون السهرة منقادة لتلك العمامة بإعتبارها تعود بالنسب الشريف إلى بني هاشم من سلالة النبي محمد(ص) بخلاف العمامة البيضاء، هنا توجَّهت بالسؤال إلى "السيد" وأنا أرتجف وأتعلثم لشدة هيبته،لماذا يا سيدنا أصبحنا بنظر العالم نمثِّل القتل والكراهية ويصفنا العالم بأننا إرهابيون وتجار دين ودنيا،ولماذا أصبحنا نلبس ما صنعه العالم ولم نلبس من صنعنا،حتى العمامة والجبة، التي نرتديها؟
لماذا يسودنا الفقر والجوع والجهل والتخلف والمرض،ونبقى نرفع شعار الكرامة؟لماذا يا سيدنا يستشري فينا الفساد والسرقة والنهب،من الكبير حتى الصغير،في الوقت الذي نشاهد عدونا يتقدم ويزدهر ويحاسب قادته ومسؤوليه؟.هنا إبتسم السيد ونظر إليَّ واتبع نظرته وإبتسامته بنحنحته المعهودة وشرب من كوب الشاي وقال لي: نحن نعيش في زمن الكرامة والعزة،اليست محاربة الإرهاب والإرهابيين الذين يشكلون الخطر على الإسلام والمسلمين هو نوع من العزة والكرامة؟ هنا تغيَّر لون وجهي وتصبب العرق من جبهتي خشية الإلتباس من أنني ضد مكافحة الإرهاب!نعم محاربة الإرهاب الداخلي لهو أولى،ذاك الإرهاب المتمثل بالفساد في مؤسساتنا ومجتمعنا،إذاً يا سماحة السيد ما الفرق بين إستغلال الدين لأغراض دنيوية في تاريخنا الأموي والعباسي، وبين إستغلال الدين في حكوماتنا؟
من الذين يبنون القصور التي تكلف ملايين الدولارات ويسرقون قوت الشعب،وتراهم يبنون بيوت الله ويتحدثون بإلتزامهم بدين الإسلام،وبأنه شريعة ومنهاجاً،يا سيدنا نحن بحاجة إلى ثقافة الحب والبناء والتسامح والتعايش،وثقافة القضاء على سرقة مال الشعب،وثقافة الإعمار والإنماء، يا سيدنا ما يحصل اليوم في بلدنا من سياسات حكومية ذات وجهين أصابت مجتمعنا بالغثيان والدوَّار،فأصبح منافقاً يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، وهذا ما يجعلنا نعيش أوضاعاً مزريةً في جميع نواحي الحياة،وإعلامنا يظهر أننا نعيش في جنات النعيم والخلد،في الوقت الذي نعيش فساداً إدارياً وأخلاقياً لا نظير له يا سيدنا الحبيب!لا دولة لا قانون إلا أن ينطوي الواحد الخارج عن سياسة الأحزاب والتنظيمات من أجل الحصول على شيئ من حقوقه،وإلاَّ يبقى بالعراء،حتى الذي يخالف رأياً فكرياً أو سياسياً تقطع عنه سُبًل العيش،فعن أي كرامة تتحدث يا سيد؟ في الوقت الذي تعتبر فيه أننا نعيش في نقاءٍ وصفاءٍ وهناءٍ، وهذا العدو يحاول إفسادنا كرهاً للإسلام وللصفاء والنقاء،في الوقت الذي يعيش شعبنا تحت خط اليأس والبؤس والفقر والحرمان...يا سيدنا تعلَّمنا بأن لا نعبد إلاَّ الله تعالى ونكفر بالطاغوت،فهل الحاكم فينا هو ذاك الطاغوت الذي أمرنا الله أن نكفر به؟..لم يسعف الحظ من أن نسمع الإجابة من سماحة السيد لأنَّ وقت السهرة قد إنتهى.