مع الإعلان عن وفاة الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل. يمكن القول أنه برحيله قد رحل آخر عمالقة المرحلة الناصرية في مصر.

فهو اضطلع بدور مباشر وقريب من السلطة خلال عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قبل ان ينتقل إلى رعاية المعارضة خلال معظم سنوات عهدي محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك ليستقر أخيرا عند مباركة عبدالفتاح السيسي والتشكيك بالثورات العربية.

لا شك أن الصحافي محمد حسنين هيكل يعتبر من اهم الصحافيين ليس على مستوى مصر فقط بل على مستوى الوطن العربي في القرن العشرين واشدهم تأثيرا. أكان في السلطة /زمن عبدالناصر / او في المعارضة /زمن السادات ومبارك/. وإذا كانت أهمية الصحافي تتأتى من وقوفه في وجه السلطة إلا ان أهمية هيكل تكونت من خلال علاقته الحميمة مع الرئيس جمال عبدالناصر.

ففي العام 1954 يوم بدأت تتكون البدايات الأولى للمرحلة الناصرية ويوم كانت هذه المرحله بحاجة إلى من يعطيها بعدا فلسفيا. فقد تصدر هيكل لهذه المهمة حيث تولى كتابة /فلسفة الثورة/. وفي العام 1960 هو من كتب أزمة المثقفين داعيا إياهم إلى الانخراط في النظام وخدمته. وقد كان صوت النظام من خلال سلسلة مقالاته التي حملت عنوان /بصراحة/.

وهو الذي لم يتقلد اي من المناصب إلا وزارة الإعلام التي شغلها لبضعة أشهر في العام 1970 فقد كان في منصب يفوق كل المناصب الأخرى. وقد ايد السادات ضد علي صبري معتقدا أنه سيمضي على الطريق التي سلكها جمال عبدالناصر.

ولكن لما حاد السادات عن الخطى التي رسمها عبدالناصر وتخلي عن تركته رد عليه هيكل بالمعارضة ثم بكتابه /خريف الغضب/ الذي هاجم فيه السادات سواء على مستوى الحكم أو على المستوى الشخصي. إذ انه لم يكتم الكره والازدراء له حتى اعتبره البعض وخصوصا في الفصول الاولى للكتاب التي تتناول أصول السادات ومنشأه ولونه أنه كتابا عنصريا.

ومع قيام الثورة المصرية الأخيرة ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ونظامه فقد بدا هيكل وكأنه إرثا تاريخيا غريبا و ثقيلا على عالم الشبان والشابات في حراكهم في الميدان المصري حيث كان المكان يعج بالمتظاهرين والمنتفضين على النظام والذين ملأوا الساحات واحتلوها في معظم المدن المصرية واعتصموا فيها رافعين شعار إسقاط النظام.

لكن مع تعثر الثورة واخفاقاتها نتيجة دخول عوامل متعددة عليها منها العامل الإسلامي والعامل اليساري والعامل الليبرالي. فقد أعيد الاعتبار لاستشارة الصحافي الأول في مصر محمد حسنين هيكل.

حتى أن البعض لم يتردد في وضعه في موقع الأمل لمستقبل مصر. لا شك أن هيكل وفي مرحلة معينة من تاريخ مصر كان أستاذا لطريقة في الصحافة غزت العالم العربي كله مفادها الدفاع عن الحكم والحاكم والتماهي مع سياسات رسمية بعينها. و برحيله فقد العالم العربي آخر رمز من رموز المرحلة الناصرية.