أكد رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو، يوم الثلاثاء، أن بلاده لا تنوي دخول الحرب في سوريا ولكنها تتخذ الإجراءات كافة للحفاظ على أمنها وأمن حدودها، واصفاً الضربات التي تشنها روسيا دعماً للجيش السوري بأنها "همجية وغاشمة وجبانة". في حين أشار الكرملين إلى أن العلاقات الروسية-التركية تشهد أزمة عميقة، نافياً "بشكل قاطع" الاتهامات المتعلقة بقصف الطيران الروسي مستشفيات شمال سوريا.
ونقل "التلفزيون التركي" (تي ار تي) عن داود اوغلو قوله: "لن ندخل الحرب في سوريا ولكننا نتخذ الإجراءات اللازمة لحماية حدودنا وأمننا"، موضحاً أن أنقرة تعمل لتفادي خوض الحرب. ودان خلال كلمة أمام نواب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا،
الضربات الجوية التي تشنها روسيا دعما للجيش السوري، قائلاً: "منذ ايلول تقصف هذه الطائرات الهمجية والغاشمة والجبانة سوريا من دون أي تمييز بين المدنيين والأطفال والعسكريين".
وفي سياق متصل، اعتبر داود اوغلو أن عناصر "حزب الاتحاد الديموقراطي" أصبحوا مرتزقة لتنفيذ مخططات موسكو الإقليمية، خصوصاً بعد توتر العلاقات بين تركيا وروسيا، وبات الحاق الضرر بتركيا من أولوياتهم.
وأضاف "أوجه الدعوة للجميع بالإبتعاد عن استغلال الأكراد، فالجمهورية التركية هي دولة الأكراد أيضا والحامية لهم"، معتبراً أن "حزب الاتحاد الديموقراطي" و"وحدات حماية الشعب" لا يمثلون الأكراد ولا السوريين إطلاقاً.
بدوره، أعلن وزير خارجية تركيا مولود جاوش أوغلو لوكالة "رويترز"، أن بلاده والسعودية وبعض الحلفاء الأوروبيين يرغبون في شن عملية برية في سوريا، لكن لا يوجد إجماع في التحالف ولم تتم مناقشة استراتيجية بهذا الخصوص بشكل جدي.
وقال جاوش أوغلو إنه لا يمكن ترك مسألة أي عملية للقوى الإقليمية وحدها.
وأضاف في مقابلة في أنقرة، ان "بعض الدول مثلنا والسعودية وكذلك بعض الدول الأخرى في غرب أوروبا تقول إن من الضروري شن عملية برية.. لكن توقع هذا من السعودية وتركيا وقطر فقط فهذا أمر غير صائب وليس واقعياً".
وأشار الى أنه "إذا جرت مثل هذه العملية فيجب أن تتم بشكل مشترك على غرار الضربات الجوية (للتحالف)".
وتابع الوزير التركي أن بلاده أوضحت مراراً جدوى رسم استراتيجية أكثر شمولاً في سوريا عن الضربات الجوية، لكن التحالف بقيادة الولايات المتحدة لم يناقشها بشكل جاد".
وقال: "بالطبع ستكون هناك ضربات جوية لكن التطهير على الأرض مطلوب أيضاً. أقول في كل اجتماع...إنه لا يمكن تدمير أو وقف داعش بالضربات الجوية وحدها".
وأكد الوزير التركي ان " التحالف لم يجر نقاشاً جاداً بخصوص هذه العملية البرية. هناك معارضون وهناك من لا يرغبون في المشاركة لكنهم عبروا عن رغبة في أن تقوم تركيا أو دولة أخرى بذلك".
ولفت الانتباه الى إن تركيا أيدت استئناف المفاوضات للوصول إلى حل سياسي في سوريا، إلا أنها لن تذهب إلى أي مكان حتى توقف الحكومة السورية القصف أولاً.
وقال الوزير التركي: "على المرء أن يكون واقعياً. لا يمكن أن تكون المفاوضات مثمرة بينما تسقط القنابل من السماء ويذبح أناس تحت ضغط النظام أو يعانون من الجوع".
كما قال إن أنقرة وواشنطن في حاجة لبذل جهد أكبر للتغلب على الخلافات في شأن دور قوات "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية، مضيفاً "ربما نفكر بشكل مختلف لكن يحتاج كلا الطرفين لبذل المزيد من الجهد لتبديد هذه الخلافات. أبلغنا أصدقاؤنا الأميركيين صراحة أنهم يتفهمون ما لدينا من حساسيات".
وكان مسؤول حكومي تركي يؤكد أن أنقرة تؤيد تدخلاً عسكرياً برياً في سوريا لكن بمشاركة حلفائها، مشيراً إلى أن الحرب لن تتوقف إن لم يحصل هكذا تدخل.
وقال هذا المسؤول، رافضا الكشف عن اسمه، للصحافيين: "نريد عملية برية مع حلفائنا الدوليين. من دون عملية على الارض، من المستحيل وقف المعارك في سوريا".
وأوضح أنه من غير الوارد ان تطلق تركيا مثل هذه العملية منفردة، قائلاً: "لن تكون هناك عملية عسكرية تركية أحادية الجانب في سوريا".
هذا وأشار المصدر الى أن السعودية ترسل حتى نهاية الشهر الحالي أربع مقاتلات (إضافية) الى القاعدة الجوية التركية "إنجيرليك".
وكانت القوات الجوية التركية والسعودية قد بدأت الاثنين مناورات مشتركة في تركيا تمتد لخمسة أيام، في وقت يؤكد البلدان استعدادهما لتكثيف العمليات ضد تنظيم "داعش" في سوريا.
من جهتهم، عبّر أعضاء مجلس الأمن الدولي عن "قلقهم" حيال الضربات التركية على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، بحسب ما اعلن رئيس المجلس مندوب فنزويلا رافاييل راميريز كارينو، الثلاثاء.
وأجرى المجلس بطلب من روسيا، صباح الثلاثاء، مشاورات في جلسة مغلقة حول القصف التركي في سوريا.
وقال مندوب فنزويلا، إن "أعضاء المجلس أعربوا عن قلقهم حيال هجمات تركيا في شمال سوريا"، مضيفاً أن الدول "اتفقت على أن تطلب من تركيا احترام القانون الدولي".
غير أن المجلس لم يصدر إعلاناً رسمياً يدين القصف المدفعي التركي.
وقال كارينو إن دول المجلس الـ15 أعربت "عن مستويات متفاوتة من القلق.. لكن الجميع اتفق" على انتقاد عمليات القصف.
وأعرب المندوب السوري بشار الجعفري، الذي كانت بلاده طلبت من مجلس الأمن التنديد بـ"الانتهاكات والاعتداءات التركية"، عن ارتياحه "لإجماع" الدول الاعضاء الـ15 على "ابداء قلقهم حيال موقف تركيا غير المسؤول".
ودانت الولايات المتحدة، حليفة تركيا وشريكتها في حلف شمال الاطلسي، عمليات القصف التركية. كما نددت بها الحكومة السورية.
من جهة ثانية، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن العلاقات الروسية-التركية تشهد أزمة عميقة، لكنه امتنع عن التخمين بشأن احتمال مواصلة تدهور العلاقات بين البلدين في المستقبل أيضا.
وأضاف بيسكوف أن الجانب الروسي يأسف للأزمة الراهنة التي نشبت بعد إسقاط أنقرة للقاذقة الروسية "سو-24" في الأجواء السورية يوم 24 تشرين الثاني الماضي، وشدد قائلا: "لسنا نحن من تسبب بحدوث هذه الأزمة".
ونفى "بشكل قاطع" الاتهامات المتعلقة بقصف الطيران الروسي مستشفيات شمال سوريا، قائلاً: "مرة جديدة ننفي بشكل قاطع مثل هذه الإدعاءات خصوصاً أن الذين يدلون بهذه التصريحات لا يتمكنون أبداً من إثباتها".
ودعا بيسكوف تعليقاً على إعلان منظمة "أطباء بلا حدود" عن تدمير مستشفى كانت تدعمه في معرة النعمان بريف إدلب، إلى ضرورة الاعتماد عند نقل الخبر على "المصدر الأول". وأعاد إلى الأذهان أن السفير السوري في موسكو رياض حداد قال، اليوم، إن تدمير المستشفى في ريف إدلب جاء جراء غارة أميركية.
وبحسب بيان لمنظمة "أطباء بلا حدود" أسفرت الغارة الجوية على المستشفى في معرة النعمان عن مقتل سبعة أشخاص، هم خمسة مرضى، وأحد أفراد الطاقم الطبي، وحارس، فيما لا يزال ثمانية من أفراد الطاقم في عداد المفقودين.
وفي السياق، أعلنت "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" التي تقودها روسيا، اليوم الثلاثاء، إن قصف تركيا بالمدفعية الثقيلة لأهداف في سوريا والحديث في أنقرة والسعودية عن عمليات برية يهدد بأن يقود إلى اشتباكات عسكرية مباشرة بين دول المنطقة.
وقال أمين عام المنظمة نيكولاي بورديوغا، في بيان، ان "انتشار الصراع الدائر في سوريا بدرجة أكبر في مناطق قريبة من نطاق مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي يشكل خطرا على أمن أعضائها". والدول الأعضاء في المنظمة هي روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان.
من ناحية ثانية، قالت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، إن تركيا تعهدت بأنها لن تسمح بسقوط بلدة أعزاز السورية في يد مقاتلين أكراد لأنها تقع على خط أمداد تستخدمه أنقرة لدعم تنظيم "داعش".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريحات رسمية، ان "بعض شركائنا ناشدنا حرفياً بعدم المساس بممر هو أقصر قليلاً من مئة كيلومتر على الحدود السورية التركية حول أعزاز"، مشيرة إلى أن واشنطن وحلفاءها أيضاً ينفذون عمليات في سوريا.
وقالت "من الواضح أن هذا يهدف إلى ضمان استمرار وصول إمدادات يومية لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية من السلاح والذخيرة والغذاء من تركيا عبر هذه المنطقة وأيضا السماح لها بأن تكون ممرا للإرهابيين".
إلى ذلك، اعتبر رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك أن القصف الروسي في سوريا يترك "أملا ضئيلاً" لإحلال السلام.
وقال توسك خلال لقائه رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس في اثينا، إن القصف الروسي "يترك املا ضئيلا، فقد تعزز نظام الاسد والمعارضة المعتدلة اضعفت والاتحاد الاوروبي غارق بموجات جديدة من اللاجئين".
واضاف ان "العالم بأسره يأمل بالسلام ومستعد للمحادثات" وذلك بعد ايام من توصل القوى الكبرى في ميونيخ الى اتفاق "لوقف الاعمال العدائية".
("الأناضول"، "روسيا اليوم"، أ ف ب، رويترز)