بطبعة مختلفة الى حدّ كبير عن الاجواء التي سبقت وواكبت الجلسة الـ 35 لانتخاب رئيس للجمهورية، بدأت البلاد تشهد حمى متجددة من الآن استعداداً للجلسة الـ36 في 2 آذار المقبل. وحرّكت الحمى بطبيعة الحال عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت الاحد الماضي والتي استتبعت حركة كثيفة شهدها "بيت الوسط" لليوم الثالث أمس بما يشبه استنفاراً سياسياً وديبلوماسياً معطوفاً على اللقاءات والزيارات التي قام بها الحريري حتى البارحة والمرشحة للاستمرار في الايام المقبلة، علما انه قد تكون بينها زيارات أخرى لن يكشف عنها الا لحظة حصولها.
وفي معلومات "النهار" ان جوهر الحركة الجارية والمشاورات الدائرة يتركز على ما بات يشكل العمود الفقري لموقف تحالف قوى 14 آذار الذي أعيد ترميمه وتثبيته على قاعدة الموقف الذي اعلنه الحريري في خطاب "البيال" واستكمل التوافق في شأنه مع رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع في لقاء معراب الليلي وكذلك مع سائر قيادات 14 آذار، وهو الضغط بقوة لحمل الكتل والنواب الآخرين الى حضور الجلسة الانتخابية والاحتكام الى اللعبة الديموقرطية في الاختيار بين المرشحين الثلاثة المطروحين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية والنائب هنري حلو . وتفيد المعلومات ان هذا الاتجاه بات واقعياً ويشكل السقف الذي يظلل الحركة السياسية الجارية وان تكن العقبات التي تعترض الرهانات على امكان نفاد فرصة انتخابية في 2 آذار لا تزال كبيرة ومعقدة للغاية . ذلك انه فيما تجاهل الامين العام لـ"حزب الله " السيد حسن نصرالله في خطابه مساء أمس الملف الرئاسي كلاً، فان الاوساط الدائرة في فلك 8 آذار عموما و"الحزب" خصوصا لا تبدي أي اشارة الى امكان تبديل المشهد في الفترة الفاصلة عن موعد الجلسة الانتخابية المقبلة ولا يزال التشدد حيال الشرط الثابت للمشاركة في الجلسة سمة الموقف من حيث التسليم بترشيح العماد عون من دون أي لبس. ومع ذلك تعتقد الاوساط المواكبة للحركة السياسية النشيطة الجارية بان توافق قوى 14 آذار مدعومة بموقف مماثل من رئيس "اللقاء الديموقراطي " النائب وليد جنبلاط حول المشاركة في الجلسات على اساس تعدد المرشحين فضلاً عن الموقف الثابت لرئيس المجلس نبيه بري في حضور كتلته باتت تشكل عامل ضغط سياسياً ومعنوياً لا يمكن الثنائي "التيار الوطني الحر" و"حزب الله " ادارة الظهر لمفاعيله ولو استمرا في تعطيل الجلسات .
وأبلغت مصادر متابعة "النهار" أن الحريري المتفق مع النائب جنبلاط على الموقف من موضوع رئاسة الجمهورية يحاول إقناع سائر الأطراف بدءاً بالرئيس بري، وصولاً إلى قيادة "حزب الله"، مروراً بالعماد عون ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع بمقابلة إعلانه في "البيال" عدم استخدام سلاح "الفيتو السني" على أي مرشح ، والمقصود بذلك عون، بقبول الأطراف المذكورين بالنزول إلى ساحة النجمة وتأمين النصاب وانتخاب رئيس من المرشحين وعدم وضع شروط من نوع انسحاب مرشح لآخر من أجل توفير النصاب، لأن ذلك يعني فرض رئيس على اللبنانيين على نحو غير ديموقراطي.
وقد لوحظ أن جعجع أيّد الحريري في دعوته هذه بعد زيارته لمعراب، في حين أن حزب الكتائب الذي يوافق الحريري على رؤيته باستثناء تأييده لترشيح النائب سليمان فرنجية بدأت قيادته تتحدث عن نيتها طرح سؤال على الحلفاء عما بعد محاولتهم تمرير انتخاب أحد المرشحين المنتمين إلى "الفريق الآخر 8 آذار" بعدما تبينت النتيجة، وهي أن حتى المرشَحين عون وفرنجية يقاطعان الجلسات الإنتخابية ولا يتقيدان بالدستور.
ومضى الحريري أمس في حضه على " النزول جميعاً الى مجلس النواب وانتخاب رئيس وليربح من يربح من المرشحين الثلاثة ونحن سنهنئه أياً يكن". واسترعى الانتباه قوله عن موقف "حزب الله ": "علينا ألا نقول إن الحزب لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية فالحزب في رأيي يستمهل ويأخذ وقته".
اما السيد نصرالله، فلم يتطرق الى الملفات الداخلية في الكلمة التي ألقاها في "ذكرى القادة الشهداء " في الحزب وان يكن توجه "بمشاعر المواساة" في ذكرى الرئيس رفيق الحريري. واذ لم ير بعض المعنيين ان يكون في تجاهل نصرالله الشأن الداخلي دلالة سلبية، برزت في كلمته نبرة متشددة حيال الملفات الاقليمية، فكرر هجماته على السعودية والخليجيين متهما اياهم بالعمل مع اسرائيل لاسقاط النظام السوري واعتبر ان "زمن الانتصارات الكبيرة في محورنا يقترب".
عاصفة النفايات
وبعيداً من الملف الرئاسي، عادت أزمة النفايات لتتصدر الاهتمامات أمس في ظل ملامح عاصفة المد والجزر في المعلومات المتناقضة التي ستحاصر المعنيين بالملف والحكومة في ظل نفي وزارة البيئة الاتحادية الروسية موافقتها على التخلص من النفايات اللبنانية على أراضي روسيا ووصفها للمراسلات الخاصة بالموافقة بانها وثائق مزورة . وترك هذا التطور ترددات صاخبة أمس نظراً الى تراكم الشكوك كي الألغاز التي تتحكم باستكمال مراحل عقد الاتفاق مع شركة "شينوك " لنقل النفايات والتي باتت تدفع نحو اعادة ادراج الملف كلاً امام مجلس الوزراء.
ورداً على استيضاحات "النهار" في هذه "الفضيحة"، قال وزير الزراعة اكرم شهيب أمس: "الحمدلله البلد كله فضائح بفضائح وبعض وسائل الاعلام يفرح بهذا الامر". ولفت الى ان الامر يتعلق بمجلس الانماء والاعمار والشركة المسجلة والدولة الروسية والمجلس سيوضح المسألة في الوقت المناسب. وأوضح ان الدائرة القانونية في مجلس الانماء والاعمار " هي الجهة الرسمية المخولة التدقيق في كل الوثائق".
وسيحضر الملف اليوم في اجتماع لجنة البيئة النيابية برئاسة النائب مروان حمادة في حضور الوزير شهيّب بصفته الوزير المكلف ملف ترحيل النفايات ومجلس الانماء والاعمار وأعضاء اللجنة. وعلمت "النهار" ان الاجتماع سيركز على كل تطورات ملف النفايات وأين وصل في إطار إستكمال البحث الذي وصلت اليه اللجنة في إجتماعها الاخير. ولعل المفارقة الغريبة في هذا الشأن تمثلت في معلومات لمصادر لبنانية ليل أمس عن توقيع وزارة البيئة الروسية وثيقة الموافقة على عقد نقل النفايات خلافا لما أوردته وكالة "تاس" الروسية في هذا الصدد!
وقال متابعون لملف النفايات لـ"النهار" إنه في حال ثبوت تزوير المستند الروسي على ما أكدت وكالة "تاس" نقلاً عن المسؤولة الإعلامية في وزارة البيئة الروسية، سيكون ذلك أخلّالا بالشروط التي وضعها مجلس الوزراء في قراره المؤرخ 2016/12/29 وأحدها أن تقدم المستندات قبل 2016/1/29، ولا يستطيع مجلس الإنماء والإعمار تمديد المهلة كما لا يمكن إعادة استدراج العروض للترحيل من دون العودة إلى مجلس الوزراء.
وعلمت "النهار" أن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بدأ منذ صباح أمس اتصالات بالمعنيين في الحكومة بأزمة النفايات كما بالبلديات والجمعيات البيئية والصحية وهيئات في المجتمع المدني "للخروج بموقف ضاغط على كل من له علاقة بهذه القضية التي باتت تهدد صحة اللبنانيين وسكان لبنان جميعاً، وبعدما نفد صبر الناس وما عادوا يتحملون المزيد من المماطلة والعرقلة والتسويف في ايجاد الحلول".