من كان ينتظر رداً أو تعليقاً من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على مواقف الرئيس سعد الحريري في أعقاب عودته الى بيروت، أصيب بخيبة أمل بعد استماعه الى خطاب نصرالله أمس لمناسبة ذكرى قادة المقاومة الشهداء.
لم يأت نصرالله على ذكر اسم سعد الحريري لمرة، ولم يقارب الاستحقاق الرئاسي بحرف، مكتفياً بتقديم التعزية الى ورثة الرئيس الشهيد رفيق الحريري برغم الخصومة السياسية، آملاً أن تصبح ذكرى استشهاده قادرة على جمع اللبنانيين.
تفادى نصرالله عبور الزواريب الداخلية في طريقه نحو سوريا وفلسطين وتحديات المنطقة، مخصصاً خطابه بالكامل للملف الإقليمي، وحتى عندما تطرق الى لبنان، فعل ذلك ربطاً بالصراع مع اسرائيل واحتمالاته المستقبلية، حيث رسم معادلة ردع جديدة لمنع الحرب أو تأخيرها، عبر تهديده بقلب السحر على الساحر وتحويل مخزون مادة الامونيا الذي يملكه كيان الاحتلال في حيفا الى ورقة بيد المقاومة لا ضدها، في ظل القدرة على إصابة هذا المخزون في أي حرب مقبلة، وإحداث آثار تدميرية هائلة تحاكي أضرار «قنبلة نووية».
بدا واضحاً أن نصرالله تعمّد تحييد ذكرى القادة الشهداء السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية عن التفاصيل الداخلية، على أهمية بعضها، منطلقاً من خصوصية المناسبة المخضّبة بدم رموز المقاومة، لتظهير صورة التوازنات «المعدلة جينياً» في المنطقة، بعد الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان، وإخفاق السعودية وحلفائها في حسم الحرب على اليمن.
في الأصل، يعتبر الحزب أنه قال كلمته في الاستحقاق الرئاسي، عندما خصص له نصرالله إطلالة كاملة ومفصلة، قبل فترة، حدد فيها الموقف من ترشيحي العماد ميشال عون وسليمان فرنجية، وبالتالي يبدو أن مفاعيل هذا الموقف لا تزال سارية، وليست هناك حاجة لرفده بأي إضافات.
وعليه، تكلم نصرالله أمس كقطب إقليمي وازن، صاحب دور وتأثير في صياغة معادلات الصراع الكبير المحتدم في الشرق الاوسط، على قاعدة أن من يشارك في بذل الدم يصبح شريكاً تلقائياً في رسم المصير، كما الحل عندما يحين أوانه.
بدا نصرالله واثقاً في تفوّق المحور الذي ينتمي اليه وامتلاكه الأرجحية على مسرح المواجهة العسكرية والسياسية، فألقى ما يشبه خطاب الرابح، إنما من دون أن يعلن عن انتصار نهائي لمحوره أو عن هزيمة كاملة للمعسكر المضاد، مشدداً على أنه لن يُسمح لا لـ «داعش» ولا لـ «النصرة» ولا لـ «القاعدة» ولا لأميركا ولا لإسرائيل بأن يسيطروا على سوريا.
طمأن الى تبدل موازين القوى القتالية مع التقدم النوعي الحاصل في ريفي اللاذقية وحلب، «ما يدل على أن هناك مساراً جديداً موجوداً في سوريا والمنطقة». وأكد التصميم على أن «نكون حيث يجب أن نكون»، خصوصاً أن نصرالله وضع جهد المقاومة وتضحياتها على الارض السورية في سياق مكمّل لحرب تموز في مواجهة العدو الاسرائيلي الذي يسعى، مع التركي والسعودي، الى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، مشدداً على أن سوريا تشكل عمود خيمة المقاومة.
وبناءً على التحولات العسكرية المتراكمة، لم يتردد نصرالله في الإعلان عن فشل «القاعدة» بوجهيها «داعش» و «النصرة» في إقامة دولة الجاهلية باسم الإسلام، وفشل اسرائيل في إسقاط النظام أو تقسيم سوريا، وسقوط مشروع الامبراطورية العثمانية الحديثة التي كانت ستمتد الى لبنان والعراق والاردن ومصر، وسقوط المشروع السعودي «الذي يتجرع كأس أحقاده وفشله». وأضاف: لا نتحدث عن هزيمة كاملة بل فشل.
والأهم، أن نصرالله وجه رسالة غير قابلة للتأويل الى الرياض وأنقرة، تحمل تحذيراً من مغبة تورطهما العسكري المباشر في سوريا، والذي قد يقود الى حرب إقليمية أو حرب عالمية، ملمحاً في الوقت ذاته الى أن تدخلهما إذا حصل سيفتح الباب أمام تغيير شامل في المنطقة، وإن استغرق بعض الوقت.
وإذا كان «حزب الله» قد ذهب بعيداً في مواجهة السعودية منذ أن بدأت حربها على اليمن، إلا أن اللافت للانتباه في خطاب نصرالله أمس هو هجومه المباشر والواضح، من دون أي تورية أو مواربة، على دور تركيا ومخططاتها، واضعاً إياها في خانة واحدة من حيث الأهداف والمصالح، مع اسرائيل والسعودية.
ولان كل الطرق تقود الى فلسطين، فإن نصرالله بدأ خطابه بشن هجوم عنيف على محاولة بعض الأنظمة العربية تبرير التعامل مع اسرائيل، مستشهداً بالعناق والمصافحة في ميونيخ مع السعوديين والخليجيين. وسأل: أيتها الحكومات العربية هل تقبلون صديقاً لا يزال يحتل أرضاً سنية؟ هل تصادقون كياناً ارتكب أهول المجازر بحق أهل السنّة؟ من الذي يمنع عودة ملايين الفلسطينيين الى ديارهم؟ أليسوا الصهاينة الذين يصادرون الحرم الابراهيمي وينتهكون حرمة المسجد الاقصى وهي أوقاف سنية؟ والفلسطينيون الذين يتعرضون للمهانة في كل ساعة وكل يوم أليسوا من أهل السنّة؟ كيف يقبل عاقل من أهل السنّة أن تقدم اسرائيل على أنها صديق وحام؟
وكما بدأ، أنهى نصرالله الخطاب في فلسطين ايضا، متوعداً الاحتلال بأن المقاومة أصبحت تملك قدرات دفاعية وهجومية جديدة، من شأنها أن تسمح لها بإلحاق الهزيمة بإسرائيل في أي حرب مقبلة، وإن يكن نصرالله قد استبعد وقوعها لان العدو لا يُقدم عليها إلا إذا تأكد من أنه سيحقق انتصاراً سريعاً وواضحاً، الأمر الذي يدرك أنه لا يستطيع فعله، مستشهداً بقول أحد الخبراء الاسرائيليين أن سكان حيفا يخشون من هجوم قاتل على حاويات مادة الامونيا التي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز، وستؤدي الى موت عشرات آلاف السكان، معتبرا أن «أي صاروخ يصيب هذه الحاويات هو أشبه بقنبلة نووية».
وبهذا المعنى، أراد نصرالله أن يُفهم الاسرائيلي مرة أخرى، أن «حزب الله» ليس غافلاً عنه ولا يغمض عينيه عن الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأن انشغاله بالحرب في سوريا لن يكون على حساب مواصلة تعزيز جهوزية الأطر المتخصصة في المقاومة لصد أي عدوان، وتحويله الى فرصة لتحقيق انتصار تاريخي.
مخطط لـ «النصرة»
على صعيد آخر، سجّلت المديريّة العامّة للأمن العام إنجازاً بإلقاء القبض على خليّة نائمة مؤلّفة من 5 سوريين. وشكّلت اعترافات رئيس الخليّة وهو المسؤول الشرعي لـ «جبهة النّصرة» في عرسال هـ. م. الملقّب بـ «أبو البراء» تطوّراً بارزاً، إذ كشفَ الموقوف عن أن «النّصرة» تتحضّر للعودة إلى السّاحة اللبنانيّة.
وبالفعل، فقد أنهى قياديو «النّصرة» عملية تفخيخ سيارتين من نوع «كيا»، الأولى بيضاء اللون وتمّ تغيير لونها إلى كحلي غامق وجهّزت بـ8 كلغ من المواد المتفجّرة، موضوعة تحت المقعد الخلفيّ للسيارة ووصلها بمفتاح أسود بالقرب من المقود، والثانية من نوع «كيا» سوداء اللون مجهّزة بالطريقة عينها بـ20 كلغ من المتفجّرات.
وكان من المفترض أن يقوم سوريان اثنان وامرأة بنقل السيارتين من عرسال إلى مستديرة الصياد في الحازميّة حيث يتسلّمها عناصر لـ «النصرة» يسلمونها بدورهم إلى انتحاريين بغية تفجير الأولى في مقرّ الأمن العام في سرايا طرابلس، والثانية لاستهداف تجمّع سكاني في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وإصابة أكبر قدر ممكن من المدنيين.
وإذا كانت الاستعدادات اللوجستية لتجهيز السيارتين قد انتهت، إلا أنّ «النصرة» ما زالت تبحث حتى اليوم عن طريق آمن يوصلها إلى الهدف، بعدما تعذّر إخراجهما بسبب الإجراءات الأمنية المحيطة بعرسال.
كما اعترف «أبو البراء»، الذي شارك على رأس مجموعة في اقتحام حواجز للجيش في عرسال وأسر عسكريين ثمّ إعطائهم دروساً دينيّة، بأنّه صادق مع آخرين من الهيئة الشرعيّة على قرار إعدام العسكريين محمّد حميّة وعلي البزال كونهما من الطائفة الشيعيّة، خلال اجتماع عقد في منطقة وادي الخيل برئاسة أمير «النصرة» في القلمون «أبو مالك التلي» بتاريخ حزيران 2014.
وأقرّ بأنّه صوّر عمليّة إعدام حمية التي نفّذها الموقوف علي اللقيس بعدما أجبروا العسكريّ على حفر حفرة لدفنه فيها قبل استشهاده، فيما لم يتمّ تسريب فيديو العمليّة إلا بعد شهر من تنفيذها، مشيراً إلى أنّ القياديّ العسكريّ في «النصّرة» «أبو محمّد الأنصاري» هو من نفّذ حكم الإعدام بالبزّال.